تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومعلوم أن التفسير إنما هو بتدبر القرآن، فالذي يعلم التفسير لا شك أنه قد تدبر قبل ذلك، فعلم إذا كان عنده أهلية بالعلوم التي ينبغي توفرها في المفسر، والناس بعد ذلك نقلة أو يتلقون ما قاله المفسرون، فلما حضّ الله جل وعلا على تدبر القرآن وجب حينئذ أن يُقبل العباد بعامة وأن يُقبل العلماء بخاصة على هذا القرآن، ليخرجوا كنوزه؛ لأن القرآن حجة الله الباقية إلى قيام الساعة، ويخرج منه بقدر العلوم وبقدر ما فتح الله على عبده يخرج منه من الفهوم ومن العلم؛ ما هو تفصيل وبيان لبعض كلمات المتقدمين من الصحابة والتابعين مما قد لا يدركها كل أحد، وهذه الجملة يأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى.

فإذن علم التفسير من العلوم المهمة، وها أنتم تستقبلون دورة علمية، أو دروسا علمية في هذا المسجد المبارك في علوم شتى؛ من علم التوحيد، والحديث، والمصطلح، ونحو ذلك مما هو معلوم، وعلم التفسير أيضا أنتم بحاجة إليه؛ لأنّ القرآن هو أعظم ما يقبل عليه، فإذا علمت القرآن علمت الشريعة، ولهذا قال طائفة من العلماء: المفسر يحتاج إلى علوم كثيرة:

— منها علم اللغة؛ لأن القرآن أُنزل بلسان عربي مبين ? حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ? [الزخرف:1 - 4]، واللغة أقسام: منها النحو، ومنها علم المفردات، ومنها البلاغة بأقسامها الثلاثة، منها [الاستقراء]، إلى آخر علوم اللغة.

— ثم علم التوحيد الذي هو الأساس، فالقرآن كله في توحيد الله جل وعلا، من أوله إلى آخره كله في التوحيد، وذلك أن القرآن:

j إما أن يكون ما فيه خبرا عن الله جل وعلا؛ وعن صفاته سبحانه وتعالى، وعما يستحقه جل وعلا من توحيده بالعبادة، والبراءة من الشرك وأهله، ونحو ذلك، فهذا واضح بأنه في توحيد الله جل وعلا.

k وإما أن يكون ما فيه خبرا عن أنبياء الله جل وعلا وعن رسله وعن قصصهم، فهذا خبر عن أهل التوحيد، وما جعل الله جل وعلا لهم؛ جعل لهم في الدنيا من الأحوال والعاقبة ? وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ? [فصلت:18].

l وإما أن يكون وهو القسم الثالث؛ أمرا ونهيا؛ أمر بأداء الفرائض، ونهي عن ارتكاب المحرمات، وهذا في حقوق التوحيد ومكملاته؛ لأن من وحد الله جل وعلا أطاع الله في أمره وانتهى عن نهيه وتخلص من داعي شهوته وهواه.

m والأمر الرابع خبر عن الأمور الغيبية، وما يحصل بعد الممات من النعيم والعذاب، ومن الجنة والنار، ومن [الحظور والشرور] ([2]) لطائفة، ومن العذاب والنكال لطائفة، فهذا جزاء الموحدين وهذا جزاء المشركين.

وهذا المعنى العام من العلوم المهمة للمفسر؛ لأن سور القرآن لا تخرج عن هذه الأحوال الأربعة، فكل سورة إما أن تتناول هذه الأقسام الأربعة، وإما أن يكون فيه؛ يعني في السورة بعض من هذه الأقسام.

— والعلم الثالث العلم بالسنة لأن السنة مفسرة للقرآن ومبينة له.

— والعلم الرابع العلم بالفقه وأحكام الحلال والحرام والعبادات والمعاملات؛ لأن القرآن فيه آيات كثيرة في هذا الباب.

— والعلم الذي يليه؛ علم الجزاء يوم القيامة وأحوال الناس فيه، وهذا في القرآن منه الشيء الكثير.

— ثم علم أصول الفقه والعلوم المساعدة لأصول الفقه؛ لأن بها فهم كثير من آيات الله البينات.

إذا تبين لك هذا فإن المفسر الذي تكونت عنده حصيلة راسخة من هذه العلوم يمكنه أن يتدبر القرآن، وأن يكون مستخرجا لما فيه من الدلالات والعبر وموضوعات السور ومقاصد الصور، كما سيأتي بيانه، مكتفيا في ذلك بما فسّر به الصحابة والتابعون كتاب الله جل وعلا.

لهذا فإن موضوع هذه المحاضرة هو موضوع في التفسير، والتفسير أبوابه كثيرة ومختلفة، ولكن قلَّت العناية في هذا الزمن بالتفسير؛ لأن كثيرين يظنون أنّهم يعلمون كلام الله جل وعلا، ولا شك أن الذي يعلم كلام الله جل وعلا، ويعلم معانيه، ويدرك مراميه وإعجازه وبلاغته وما فيه، سيكون ملتذا بهذا القرآن مقبلا عليه، يزن قلبه وينشرح صدره حين يقبل على هذا القرآن.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير