- موضوع آية البقرة يتناول القتال في الشهر الحرام وقتل الصحابة رضوان الله عليهم لعمرو بن الحضرمي في الشهر الحرام، بينما آية المدثر مع سياقها تتناول مكابرة الوليد بن المغيرة المخزومي بعد اعترافه بالإعجاز القرآني فحرضته قريش على قول كلمة يصرف بها العرب عن الإسلام؛ فما العلاقة بين الأمرين؟
- الرقم 19 لم يذكر في الآية المعنية بالدراسة وإنما ذكر في الآية التي قبلها فلماذا تمت دراسة لقوله تعالى: "وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ" وقلت إنها 57 كلمة ولم تدرس قوله تعالى " عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ " وتقول إنها 3 كلمات وهي الآية المعنية التي ذكر فيها الرقم 19 أي أن الدراسة قامت خارج الآية المعنية
- ليس هنالك من تماثل في المعاني بين الآيتين ولفظ (فتنة) الذي ذكر في آيتي البقرة والمدثر ليس معناه واحدا، وهذا اللفظ يدل في سياقات القرآن على مجموعة كبيرة من المعاني ففي آية البقرة هذه (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) يعني الشرك أو الكفر وهو كقوله تعالى:، (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ)، بينما في آية المدثر يعني الإضلال والتلبيس كما في قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ) وقد يعني لفظ فتنة في سياقات أخرى معاني أخرى غير ما ذكرنا نحو:
1 - القتل كما في قوله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا)
2 - الصدّ والصرف كما في قوله تعالى: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ)
3 - المعذرة كما في قوله تعالى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)
4 - القضاء كما في قوله تعالى: (إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ)
5 - الإثم كما في قوله تعالى: (أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ)
6 - العبرة كما في قوله تعالى: (فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
7 - العقوبة كما في قوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
8 - الاختبار كما في قوله تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) أي اختبرناك اختبارا حتى صلحت للرسالة
9 - الإحراق كما في قوله تعالى: (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) وقال عن أصحاب الأخدود: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)
10 - الجنون كما في قوله تعالى: (بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ) واتفق العلماء على أن المفتون من الفتنة واختلفوا في المعنى على هذه الصيغة؛ فقيل مفعول دالة على المصدر كما يقال: فلان ليس له معقول؛ أي: عقل، وبذلك يكون المفتون بمعنى الجنون " ورجّح الطبري أن المفتون اسم مفعول وليس مصدراً، والمفتون عنده هو: المجنون، والباء في (بأيكم) بمعنى "في" والمعنى: فستبصر ويبصرون في أيّ الفريقين المجنون، وقال القرطبي المفتون الذي فتن بالجنون
- إنك أخي جلغوم قد ذكرت أن المعنى المقصود بـ"أصحاب النار " ليس واحدا في الآيتين، وهذا صحيح؛ إذ يدل في آية المدثر على الملائكة بينما يدل في آية البقرة وسائر القرآن على المعذبين في النار وهذا ينفي التشابه بين الآيتين أيضا
وبالمناسبة فإن ربط آية المدثر هذه من ناحية عددية بمواضع أخرى ليس أمرا جديدا فقد ذكر ابن عطية في تفسيره "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز " أن بعض الناس قد ذهبوا إلى أن هنالك رواية بلغتهم أن ملائكة النار الذين قال الله فيهم " عليها تسعة عشر " إنما ترتب عددهم على حروف "بسم الله الرحمن الرحيم" لكل حرف ملك وهم يقولون في كل أفعالهم "بسم الله الرحمن الرحيم" فمن هنالك هي قوتهم وباسم الله استضلعوا" أهـ، وذكر ابن عطية أيضا أن القاضي أبو محمد عبد الحق قال "وهذه من ملح التفسير وليست من متين العلم "
وجزيت أخي جلغوم خيرا على جهودك الطيبة في محاولة ضبط الدراسات العددية
¥