تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وثناء القاسمي على جهود الألوسي كقوله عن كتابه "غاية الأماني": "فالحمد لله على نعمة هذا الكتاب، وجزى الله سيدنا عنه خير ما جزى أولياءه وأحباءه؛ إنه الكريم الوهاب، ولا زالت مآثره تتلى وتنشر".

10_ الحرص الأكيد على ردِّ الجواب من كل منهما مع الاحتفاء بهذه الرسائل والعناية بها؛ فإن رسائل الألوسي التي كانت تصل إلى القاسمي يطلع عليها أصحابه وتلاميذه.

يقول الأديب الكبير عز الدين التنوخي عضو المجمع العلمي بدمشق، وأمين سره، وأحد تلامذة القاسمي النُّبغاء: "كان الشيخ محمود شكري الألوسي صديق شيخنا الجمال القاسمي الحميم، وكان شيخنا الإمام _يعني القاسمي_ يقرأ لنا الرسائل الألوسية؛ لنستفيد من أسلوب كتابتها، ومما تشتمل عليه من طرائف العلم والأدب، فعلقت محبة الألوسي بقلوبنا ... ".

ومما يدل على حرص القاسمي على رسائل صاحبه الألوسي أنه كان قد قسمها إلى مجموعتين، كل مجموعة أفردها بالتجليد في مجلد صغير يحمل عنوان رسائل الألوسي.

أما اهتمام الألوسي برسائل القاسمي فإنه لا يقل عن اهتمام القاسمي برسائله؛ فقد ألَّف الألوسي كتاباً بعنوان: "رياض النَّاظرين في مراسلات المعاصرين" ذكر فيه من راسله من علماء وأدباء عصره، وقد أودع فيه جميع رسائل القاسمي إليه، ولولا هذا الصنيع لما وقفنا على رسائل القاسمي هذه؛ فما أجمل ما عمل كل منهما، ولو أن كل عالم كان يصنع مثل هذا الصنيع لما فاتنا كثير من هذه الفوائد الغالية.

هذه إلماعة سريعة، وعجالة لطيفة حول محتوى هذه الرسائل، وما فيها من طرائف علمية.

وليس المقصود ههنا إعطاء القارئ صورة لهذا الكتاب، وما يتضمن من فوائد، وإنما هو ما نحن بصدده من عنوان هذه الكلمة.

فأنت حين تقرأ هذه المكاتبات، وترى ما فيها من الحفاوة البالغة، والتواصل المستمر، والود الذي هو أحلى من الفرات، وأصفى من بَرَدَى يصفِّق بالرحيق السلسل _ تظن أن القاسمي والألوسي رضيعا لبان، وأنهما دوماً يلتقيان ولا يفترقان؛ فإذا بك تفاجأ بأنهما فارقا الدنيا، ولم يحصل بينهما لقاء، وإنما هي مراسلات، ومحبة في الغيب فحسب!

ولك أن تسأل: كيف نشأت تلك المحبة الخالصة؟ وكيف حصل ذلك التعاون بين اثنين لم ير أحدهما صاحبه؟ وما الذي جعل تلك العلاقة تزداد مع الأيام قوة ووثاقة؟

والجواب: أن السبب في ذلك حَمَّالةُ وردٍ، ورسول ودٍّ، وواسطةُ عِقْدٍ حرص كل الحرص على ربط ذلك العلامة بِتِرْبِه وأخيه في العلم.

ذلكم هو تلميذ لهما اسمه الشيخ عبدالعزيز السناني النجدي من أهالي عنيزة في منطقة القصيم المقيم في بغداد؛ فإنه كان يراسل العلامة القاسمي، ويخبره عن قرينه في العلم والأدب العلامة الألوسي، ويبلغه تحياته، وأشواقه، وأخباره العلمية؛ حتى عَلِقَ كلُّ واحدٍ منهما صاحبه بسبب ذلك التلميذ البار النجيب ذي النفس الكريمة، والأفق الواسع.

ولما توفي التلميذ السناني سنة 1326هـ بدأت المكاتبات بين القاسمي والألوسي مباشرة بعد أن كان ذلك التلميذ هو الواسطة.

يقول القاسمي -رحمه الله- في أول رسالة: "أما وقد مضى الشيخ _يعني السناني_ إلى رحمة الله فلم يبق إلا التواصل مع السيد أطال المولى بقاءه".

وقد كانت هذه الرسالة في السابع عشر من شوال سنة 1326هـ مع هدية من القاسمي وهي كتابه "دلائل التوحيد".

وقد أجابه الألوسي عن رسالته في السنة نفسها في غرة ذي الحجة، فأثنى عليه، وعلى كتابه "دلائل التوحيد" ثناءً عاطراً، مما كان له أطيب الأثر في نفس القاسمي الذي كتب في مذكراته الخاصة لسنة 1326هـ في 27 ذي الحجة ما يلي: "اليوم ورد من بغداد كتاب من العلامة شكري أفندي الألوسي أَشَفَّ عن فضل، وكمال، وصدق محبة، وروحانية، وقد أسهب في تقريظ كتاب دلائل التوحيد، فجزاه المولى خير الجزاء".

فهذه بداية المراسلة بينهما، وقد استمرت إلى أن فارق القاسمي الحياة سنة 1332هـ ولم يبلغ الخمسين من عمره حيث ولد عام 1283هـ.

أما الألوسي فقد توفي في الرابع من شوال عام 1342هـ.

ثم استمرت تلك العلاقة بين تلامذتهما إلى يومنا هذا.

ولعل أبرز تلك العلاقات ما كان بين العلامتين: الشيخ محمد بهجة البيطار تلميذ القاسمي، والشيخ محمد بهجة الأثري تلميذ الألوسي _رحمهم الله جميعاً_.

والشاهد من هذا كله بيان بركة ذلك الطالب النجيب الشيخ عبدالعزيز السناني الذي جمع الله به قلبي الألوسي والقاسمي، فكان من ثمرة ذلك خيرٌ عظيم ساقه الله للعلامتين، وللأمة.

فما أحوجنا إلى ذلك الطراز من طلبة العلم ممن يجمعون القلوب، ويؤلفون بين الناس، ويقربون العلماء إلى بعض، وينفون عن قلوبهم ما قد يشوبها من الوحشة والقطيعة، وينقلون إليهم ومنهم الأخبارَ الطيبةَ التي تجمع وتؤلف، ويحملون منهم وإليهم السلام، والكلمات التي تَحْمِل ثناءَ بعضهم على بعض، ويغضون الطَّرْفَ عن الكلمات أو الآراء التي قَدْ تُحْدِثُ نُفْرَةً أو شرخاً في المودة.

وإنك إذا تأملتَ في حال الأمة، وما يكون من القطيعة بين بعض أهل العلم _ وجَدْتَ أنه يرجع إلى أسباب كثيرة، وقد يكون من أبرزها التفريط بهذا الأصل، وقلة المبالاة بتلك المبادرات التي نحسبها يسيرة، وهي عظيمة الوقع، عميمة النفع.

فأجدر بطلاب العلم، أن يتحلوا بهذا الوصف، وأن يبذلوا قصارى جهدهم للتمثل به، حتى يؤدوا ثمرة العلم، ويكونوا حمالة ورد لا حمالة حطب.

وأخلق بهم أن ينأوا عن كل ما يسبب الفتنة والفرقة، وإيغار الصدور، وتأليب بعض الناس على بعض.

فإذا هدأت النفوس، وانطوت القلوب على المحبة والوئام _ كان من آثار ذلك زيادة العلم والإيمان، والارتقاء بالأخلاق، والأعمال.

وهكذا يكون طلاب العلم مصابيحَ دجىً، وأعلامَ هدىً تؤتي علومُهم، وأخلاقُهم أُكُلَها أضعافاً مضاعفة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير