-إما لبيان عظم فرية اليهود وكفرهم في قولهم في حقها ما قالوا، كما قال: وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما
-وإما لجعلها مثالا يحتذى وقدوة صالحة للمؤمنين كما في قوله ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها، الآية عطفا على قوله وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون
ثالثا: حين يقرن ذِكرها بذكر ابنها عليهما السلام فيكون الغرض هو تأكيد بنوة المسيح لها، وأنه ليس ابنا لله كما يزعم النصارى - تعالى الله عن ذلك - كقوله يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله الآية.
وكقوله: لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم .. الآية
-أو يكون ذلك لبيان المنة على المسيح وتذكيره بنعم الله عليه وعلى والدته كما قال: إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك .. الآية
فإن النعمة العظمى هي جعله نبيا كما قال: إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل
-أو لتبرأتهما من أقوال الناس – الباطلة – فيهما، كقوله تعالى: وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس الآية
بقي موضعان في سورة آل عمران وسورة مريم ذكر الله عز وجل فيهما قصة مريم وابنها عليهما السلام مطولة.
أما الموضع الأول فبدأ بذكر أصلها الطيب واصطفاء الله عز وجل لآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ثم ذكر قصة ولادتها وتقلب أحوالها إلى أن توصل إلى ذكر ابنها المسيح عليه السلام فلما توصل إلى ذكر ابنها قصر الحديث عليه ولم يعد لذكرها في دعوة ابنها المسيح عليه السلام وختم بقوله: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم إلى قوله إن هذا لهو القصص الحق، الآية
وأما قصتها في سورة مريم فليست بعيدة عن قصتها في آل عمران فبعد أن ذكر أحداث ولادة المسيح عليه السلام شرح ما أجمل في سورة آل عمران من قوله (ويكلم الناس في المهد) بقوله في سورة مريم (كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله) الآيات ثم ختم القصة بقوله: ذلك عيسى ابن مريم قول الحق
وبعد أن ذكرنا هذه الآيات فلننظر في دلالاتها على المسألة.
ـ[أحمد بن فارس السلوم]ــــــــ[19 Mar 2009, 11:43 م]ـ
أولا: هل في الاصطفاء والاختيار دلالة على النبوة؟
قد ذكر الله عز وجل أنه اصطفى مريم وذلك بقوله واذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك .. الآية
والله عز وجل إذا اصطفى من البشر أحدا اصطفاءا عاما فإنما يكون ذلك لأجل النبوة كما قال عز وجل الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير
قال الحافظ ابن حجرفي فتح الباري (6/ 470): واستدل بقوله تعالى إن الله اصطفاك على أنها كانت نبية، وليس بصريح في ذلك، وأيد بذكرها مع الأنبياء في سورة مريم، ولا يمنع وصفها بأنها صديقة، فقد وصف يوسف بذلك.
وقد نقل عن الأشعري أنّ في النساء عدة نبيات، وحصرهن ابن حزم في ست: حواء، وسارة، وهاجر، وأم موسى، وآسية، ومريم، وأسقط القرطبي سارة وهاجر، ونقله في التمهيد عن أكثر الفقهاء أهـ.
قلت: يظهر أن اصطفاء مريم عليها السلام هو اصطفاء خاص ليس بعام، بينه بقوله: واصطفاك على نساء العالمين، وهذا الاصطفاء هو لحمل كلمته المسيح عيسى بن مريم، وسياق الآيات يدل على ذلك، فبعد أن اصطفاها أمرها بأن تشكر الله عز وجل على هذا الاصطفاء، والشكر إنما يكون بالعبادة فأمرها أن تقنت وتركع وتسجد مع الساجدين، أي في الساجدين كما كان يقرأ ابن مسعود رضي الله عنه، ثم بعد ذلك أخبرها لماذا هذا الاصطفاء الاختيار وأنه من أجل المسيح عيسى ابن مريم، كما تدل عليه سياق الآيات.
وذكر التطهير بين الاصطفاءين في قوله – اصطفاك وطهرك واصطفاك – ليقدم براءتها على ما علم من أنها ستقذف به، فيكون أبلغ في البراءة.
ومثل الاصطفاء الإنعام:
فإن الله عز وجل أنعم على المسيح وعلى أمه وامتن عليهما بذلك فقال عز وجل: إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك .. الآيات.
فإن الله عز وجل ذكر الإنعام على عيسى بأن جعله مثلا لبني اسرائيل فقال: إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل.
وكذلك جعل مريم عليها السلام مثلا للمؤمنين في قوله وضرب الله مثلا للذين آمنوا امراة فرعون إلى أن قال: ومريم ابنت عمران.
ـ[أحمد بن فارس السلوم]ــــــــ[19 Mar 2009, 11:46 م]ـ
ثانيا: ذكرها في سياق الأنبياء عليهم السلام هل فيه دلالة على نبوتها؟
فقد استدل بذلك بعض العلماء على كونها نبية، كما ذكره الحافظ ابن حجر.
ونحى إليه الإمام البخاري في صحيحه.
وفي سياق الآيات القرآنية نلحظ ما يلي:
1 - لم يذكر القرآن الكريم مريم عليها السلام مفردة عند ذكره للأنبياء في مقام الرسالة والتبليغ كما في الآيات التي ذكرناها أول البحث.
2 - أن القرآن الحكيم حين ذكرها في سياق الأنبياء قرنها بابنها عليهما السلام، وخالف في الترتيب فقدم ابنها في الذكر عليها.
وذلك في موضع واحد، وهوقوله ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون وجعلنا ابن مريم ومه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين يا أيها الرسل كلوا من الطيبات ..
ومع أنهما اثنان – أعني ابن مريم وأمه - إلا أن الله عز وجل وحدهما فجعلهما آية واحدة، ولم يقل آيتين، أليس لهذا التوحيد دلالة على شيء ما؟ لا سيما وهو يذكر الأنبياء في مقام الرسالة.
ثم في تقديم ابن مريم في الذكر على أمه مخالفا الآيات الأخرى - التي ذكرتهما ولم تكن في سبيل ذكر الرسل – أليس في هذا التقديم ما يشير إلى أنه هو الرسول وأن أمه ذكرت تبعا له، لأن الآية إنما تكتمل في ذكر الأم التي أنجبته من غير أب.
ولو ثنى الآيتين ثم قدم في الذكر مريم لكانت هذه الآية من أقوى الآيات المثبتة نبوتها ورسالتها لقوله عز وجل بعدها: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات .. الآية.
وللقرطبي رحمه الله جواب على توحيد الآية في هذه الآية مذكور في تفسيره، ينحو فيه نحو إثبات نبوتها، والله تعالى أعلم.
¥