هكذا جاء في الحديث والذي فيه الإشهاد على الصفة التي قالها أهل هذا القول، وردت في أحاديث عن ابن عباس رواه ابن عباس وابن عمر وتكلم فيها بعضهم، ومن الأدلة حديث ابن عباس الذي رواه الإمام أحمد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم -عليه الصلاة والسلام- بنعمان وهو واد إلي جنب عرفة - يوم عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قبلا قال: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا إلى آخر الآية وحديث عبد الله بن عمرو الذي يرويه مجاهد عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ قال: أخذوا من ظهره كما يؤخذ المشط من الرأس فقال لهم: ألست بربكم قالوا: بلى قالت الملائكة: شهدنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ
وأقوى ما يشهد لصحة هذا القول حديث أنس المخرج في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا؟ قال: فيقول: نعم قال: فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك قد أخذت عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي شيئا وقد روي من طريق أخرى قد سألتك أقل من ذلك وأيسر فلم تفعل فيرد إلى النار وليس فيه في ظهر آدم.
أدلة القول الثاني الذين يقولون: إن الله -تعالى- نصب الأدلة وأن الإشهاد بلسان الحال قالوا: الآية تدل على هذا القول من وجوه:
أحدها: أنه قال في الآية: من بني آدم ولم يقل: من آدم.
الثاني: أنه قال: من ظهورهم ولم يقل: من ظهره وهو بدل بعض أو بدل اشتمال وهو أحسن.
الثالث: أنه قال: ذريتهم ولم يقل: ذريته.
الرابع: أنه قال: وأشهدهم على أنفسهم ولا بد أن يكون الشاهد ذاكرا لما شهد به وهو لا يذكر شهادته إلا بعد خروجه إلى هذه الدار لا يذكر شهادته قبله.
الخامس: أنه سبحانه أخبر أن حكمته بهذا الإشهاد إقامة للحجة عليهم لئلا يقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين، والحجة إنما قامت عليهم بالرسل والفطرة التي فطروا عليها بدليل قول الله -تعالى-: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ
سادسا: تذكرهم بذلك لئلا يقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين ولا شك أنهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلهم وإشهادهم جميعا ذلك الوقت هذا لا يذكره أحد منهم.
سابعا: أن هناك حكمتين في هذا الإشهاد لئلا يدعوا الغفلة أو يدعوا التقليد في قوله: أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ إذ الغافل لا شعور له، والمقلد متبع في تقليده لغيره، ولا تترتب هاتان الحكمتان إلا على ما قامت به الحجة من الرسل والفطرة.
الثامن: أن الله توعدهم بجحودهم وشركهم في ادعائهم التقليد في قوله: أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ والله -سبحانه- إنما يهلكهم بمخالفة رسلهم وتكذيبهم بعد الإعذار والإنذار بإرسال الرسل إذا أخبر أنه لم يكن ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون.
التاسع: أنه سبحانه أخبر أنه أشهد كل واحد على نفسه واحتج عليه بهذا في غير موضع من كتابه كقوله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وإنما ذلك بالفطرة وهي الحجة التي أشهدهم على أنفسهم بمضمونها وذكرتهم بها رسله بقولهم: أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
العاشر: أنه جعل الإشهاد آية وهي الدلالة الواضحة المبينة المستلزمة لمدلولها وإنما يتضح ذلك بالفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، وهذا شأن آيات الرب تكون واضحة بينة مستلزمة لمدلولها قال -تعالى-: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ويؤيد ما قالوا ويؤيد هذا القول أحاديث منها رواية الحسن عن الأسود بن سريع من بني سعد قال: غزوت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربع غزوات قال: فتناول القوم ذرية بعدما قتلوا المقاتلة فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاشتد عليهم مما قال، وقال: ما بال أقوام يتناولون الذرية فقال رجل يا رسول الله أليسوا أبناء المشركين؟ فقال: إن
¥