تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

خياركم أبناء المشركين ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها فأبواها يهودانها وينصرانها

قال الحسن: ولقد قال الله في كتابه: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ الآية ومنها حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في الصحيحين قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كل مولود يولد على الفطرة وفي رواية: على هذه الملة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تولد بهيمة جماء هل تحسون فيها من جدعاء ومنها حديث عياض بن حمار في صحيح مسلم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم قالوا: والقول الأول يضعفه أمران إذ هو متضمن لها أحدهما كون الناس تكلموا حينئذ وأقروا بالإيمان وأنه بهذا تقوم عليهم الحجة يوم القيامة الثاني: أن الآية دلت على هذا، والآية لا تدل عليه بالوجوه العشرة السابقة. أما الآثار التي استدل بها أهل القول الأول، فأجاب عنها أهل القول الثاني بأنها تدل على أن الله -سبحانه- صور النسمة وقدر خلقها وأجلها وعملها واستخرج تلك الصور من مادتها ثم أعادها إليها وقدر خروج كل فرد من أفرادها في وقته المقدر له ولا تدل على أنها خلقت خلقا مستقرا واستمرت موجودة ناطقة كلها في موضع واحد ثم يوصل منها إلى الأبدان جملة بعد جملة كما قال ابن حزم: هذا لا تدل الآثار عليه كما أنها لا تدل على سبق الأرواح الأجساد سبقا مستقرا ثابتا، كما قال من قال: إن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد بل الرب يخلق منها جملة بعد جملة على الوجه الذي سبق به التقدير أولا فيجيء الخلق الخارجي مطابقا للتقدير السابق كشأنه -سبحانه- في جميع مخلوقاته فإنه قدر لها أقدارا وآجالا وصفات وهيئات ثم أخرجها إلى الوجود مطابقة لذلك التقدير السابق. فالآثار المروية إنما تدل على هذا المقدار وبعضها يدل على أن الله استخرج أمثالهم وصورهم وميز أهل السعادة من أهل الشقاوة عليهم هناك، وأما الآثار التي في بعضها الأخذ والقضاء بأن بعضهم إلى الجنة وبعضهم إلى النار كما في حديث عمر، وفي بعضها الأخذ وإبراء آدم إياهم من غير قضاء ولا إشهاد كما في حديث أبي هريرة السابق، والذي فيه الإشهاد على الصفة التي قالها أهل الأول قالوا: إنه موقوف على ابن عباس وابن عمر، وتكلم فيه أهل الحديث، ولم يخرجه أحد من أهل الصحيح غير الحاكم في المستدرك على الصحيحين وهو معروف بتساهله -رحمه الله- لكن قال المحقق الشيخ أحمد محمد شاكر: حديث ابن عباس وعمر صحيحان مرفوعان وتعليلهما بالوقف على ابن عباس وعمر غير سديد كما بين ذلك في شرحهما في المسند. بعد هذا هل بين هذين القولين تناف؟ أو هل يمكن الجمع بين هذين القولين؟ قال شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز -رحمه الله-: لا تنافي بين القولين فإن الأخذ للذرية من ظهر آدم والإشهاد عليهم كان تقدمة لبعثة الرسل، والحجة إنما قامت ببعثة الرسل فهم الذين ذكروهم بتلك الشهادة فقامت للرسل الحجة على الناس كما لو كان عند الإنسان شهادة ثم نسيها ثم ذكره أحد إياها وقال له: يا فلان اذكر أن عندك شهادة في وقت كذا على كذا وأيضا فإن الأخذ من ظهور بني آدم أخذ من ظهر آدم فإن ظهورهم ظهر له وعلى هذا فلا منافاة بين الأقوال وظاهر هذه الأحاديث، وهذه الأحاديث ظاهرة في أن الله -تعالى- استخرج ذرية آدم أمثال الذر الأرواح وأشهدهم ثم أعادهم -سبحانه وتعالى- وكون الإنسان لا يذكر الشهادة لا يستلزم أن يكون ذلك وقع، جاءت الرسل بعد ذلك وذكرتهم بالشهادة، والحجة إنما قامت ببعثة الرسل، وعلى ذلك فلا منافاة بين القولين

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير