فقوله في الرواية الضعيفة: ولو أن تنينا منها نفخ في الأرض ما نبتت خضراء. لماذا لا تقول: أي نفخ في مكان من الأرض ما نبت في هذا المكان خضراء؟
أيهما أقرب للعقل والنقل أخي الكريم؟
والرواية التي نجتهد في تحسينها تقول أن هذه التنانين: يلسعونه ويخدشونه إلى يوم القيامة ..
فأين النار وحجم الأرض وهذا التهويل .. من أين جئت به؟
الثانية في قولك: وعلى الرغم من ذلك فهي تنهش الجسد الغير موجود أصلا!
يا أخي: هل أنت ممن ينكر عذاب القبر للجسد إن بلي وصار ترابا؟
فإن كلامك هذا، ظاهره كذلك، وأنا أخاف أن يكون هذا رأيك ومذهبك وفكرك، وفي هذا الحالة أدعو الله لك بالهداية .. وإلى هذه اللحظة فأنا أحسن الظن بك إن شاء الله ..
الثالثة: قولك بأن موضوع التنين ما هو إلا خرافة .. وقلت أيضا في مشاركتك الأولى: هل تعتقد أنه كان يوجد في يوم من الأيام حيوان اسمه التنين؟ وإذا كان هناك تنين، فما هو شكله؟ وهل تعتقد أنه كان يلفظ نارا من فيه؟
أقول لك أخي الكريم:
لعلك ممن اقتنع بأن التنين هو كما جاء في ترجمته في قواميس الانجليزية والفرنسية بأنه حيوان أسطوري. أي خيالي لا وجود له ..
ولكن مجاراة لك لا أكثر .. أقول:
جاء في معاجم لغتنا العربية أن التنين هو الحية العظيمة ..
كما في تاج العروس شرح القاموس للزبيدي (1/ 7986): والتنين كسكيت حية عظيمة ..
وفي مختار صحاح الجوهري للرازي (1/ 83): التِنِّيِّنُ ضرب من الحيات.
وفي كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي (8/ 108): والتَّنينُ من الحَيات: أعظمُها .. وقال في (8/ 136): والتِّنِّين: حَيةٌ.
ولعلك تعجب كل العجب إن وجدت التنين مذكور في التوراة والإنجيل أو ما جمع في كتابهم المقدس زعموا ..
فهاهو جاء ذكره في أول أسفار التوراة .. سِفْرُ اَلتَّكْوِينِ: اَلإصْحَاحُ اَلأوَّلُ-21
فَخَلَقَ اَللهُ اَلتَّنَانِينَ اَلْعِظَامَ وَكُلَّ نَفْسٍ حَيَّةٍ تَدِبُّ اَلَّتِي فَاضَتْ بِهَا اَلْمِيَاهُ كَأَجْنَاسِهَا وَكُلَّ طَائِرٍ ذِي جَنَاحٍ كَجِنْسِهِ. وَرَأَى اَللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. اهـ
وفي قصة دانيال مع التنين، وقد جاءت في سفر دانيال هكذا:
22 - و كان في بابل تنين عظيم وكان أهلها يعبدونه 23 - فقال الملك لدانيال: أتقول عن هذا أيضا انه نحاس؟ ها، انه حي يأكل ويشرب ولا تستطيع أن تقول انه ليس إلها حيا فاسجد له 24 - فقال دانيال أني إنما اسجد للرب الهي لأنه هو الإله الحي 25 - وأنت أيها الملك اجعل لي سلطانا فاقتل التنين بلا سيف ولا عصا فقال الملك قد جعلت لك 26 - فأخذ دانيال زفتا وشحما وشعرا وطبخها معا وصنع أقراصا وجعلها في فم التنين فأكلها التنين فانشق فقال انظروا معبوداتكم 27 - فلما سمع بذلك أهل بابل غضبوا جدا واجتمعوا على الملك وقالوا أن الملك قد صار يهوديا فحطم بالا وقتل التنين وذبح الكهنة. الخ
وجاءت في رؤيا يوحنا اللاهوتي أيضا ..
وأنا لا أحتج بما عندهم صراحة ولا أرفضها عموما .. لحديث: حدثوا عن بني اسرائيل .. ولقوله: فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ..
وإنما لتوافق ما جاء عندنا في الشريعة .. ولما يفسره أهل اللغة العربية لغة القرآن العظيم ..
وأهديك تلك القصة التي عاشها ياقوت الحموي في رؤية أهل بلده لتنين عظيم في حجم المنارة، أهلك الحرث والدواب .. (معجم البلدان 4/ 476)
وأنا لست ممن يصدق الخرافة أو الأسطورة وإنما أتبع الدليل، ومهما كان من أمر فالقصص والحكايات في التنين كثيرة وكلها تثبت أنه حية في حجم كبير جدا ..
وأظنك تعلم أن حية الأناكوندا قد يصل حجمها إلى أضعاف كثيرة من حجم الحيات الكبيرة، وهذا في الدنيا، فكيف بالأمر لو كان في عذاب القبر؟
ومع ذلك .. هب عدم وجوده في أي مرجع في الدنيا إلا في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل نرده لذلك؟
أخي الكريم .. بارك الله فيك:
أنا والدكتور عمر نتناقش في تحسين الحديث من رواية أبي هريرة مرفوعا ..
ونختلف،،، ولكن لاختلافنا وجه في العلوم الشرعية ..
ولكننا لم نتكلم بكلام عقلي كما تفضلت أنت ..
بارك الله فيك وفي الجميع .. وهدانا الله جميعا إلى ما يحب ويرضى.
وأختم بفائدة:
وهي أن حديث تنانين القبر بمعنى حياته .. ذكر له ابن رجب في كتاب الأهوال أدلة كثيرة مرفوعة وموقوفة وإن كان أكثرها ضعيف سندا، ولكني أذكرها كشواهد لمجمل الموضوع وليس لتحسين حديث أبي هريرة ..
قال رحمه الله في الأهوال (1/ 94):
وخرج ابن منده من طريق أبي حازم عن أبي هريرة وذكر قبض روح المؤمن والكافر وقال في الكافر [وتسلط عليه الهوام وهي الحيات فينام كالمنهوس ويفزع] وخرجه مرفوعا أيضا.
وخرج الإمام أحمد من حديث علي بن زيد بن جدعان عن أم محمد [عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يرسل على الكافرين حيتان واحدة من قبل رأسه والأخرى من قبل رجليه يقرصانه قرصا كلما فرغتا عادتا إلى يوم القيامة]
قلت: وسنده ضعيف لجهالة أم محمد وضعف ابن جدعان ومع ذلك حسنه الهيثمي!
وخرج ابن أبي الدنيا بإسناده ضعيف عن الحسن [عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا يرى أحد خارجا من الدنيا شاتما لأحد منهم يعني من أول هذه الأمة إلا سلط الله عليه دابة في قبره تقرص لحمه يجد ألمه إلى يوم القيامة]
وخرج الخلال من طريق عاصم عن زر عن ابن مسعود قال [يقال للكافر في قبره ما أنت فيقول لا أدري فيقال لا دريت ثلاثا ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويرسل عليه حيات من جوانب قبره تنهشه وتأكله فإذا خرج فصاح قمع بمقمع من نار أو حديد]
وخرجه أبو بكر الآجري وزاد فيه [ويضرب ضربة يلتهب قبره نارا] وعنده [ويبعث عليه حيات من حيات القبر كأعناق الإبل]
وخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الموت بإسناده عن عبيد بن عمير قال [يسلط عليه شجاع أقرع فيأكله حتى يأكل أم هامته فهذا أول ما يصيبه من عذاب الله]
وبإسناده عن مسروق قال: ما من ميت وهو يزني أو يسرق أو يشرب أو يأتي شيئا من هذه إلا جعل معه شجاعان ينهشانه في قبره. اهـ
هذا والله أعلى وأعلم ..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.