أول ذلك حراسة ذلك العمل من أن يحصل من العبد به منّ على الله عز وجل، أو خلقه، فما يرى ذلك العمل حتى ينتظر حقا يتقاضاه من الخلق، أو شيئا يوجب له شيئا آخر من الرب عز وجل، فهو وإن كان ثم عمل، فلا يزال يرى نفسه أقل إخوانه وأكثرهم ذنوبا وأشدهم عيوبا، فما له عليهم حق يتقاضاه بعمله.
وهو كذلك لا يدل بذلك العمل على ربه، لا يرى أنه صنع شيئا له على الله عز وجل به حق أ دلال، بل يرى ذلك العمل نعمة الله عز وجل التي تستوجب منه شكر آخر، وسعيا موصولا، واجتهادا غير منقطع إلى الممات.
ثانيا: بالحذر من العجب:
حق العمل بعد انقضائه الحذر من أن يدرك النفس به عجب، ودفع العجب بشهود منه الله عز وجل عليك، وتقصير نفسك، فتندفع رؤيتك لعملك، حين تكون مستغرقا برؤية نعمة الله عز وجل لا برؤية عملك.
ثالثا: بالحذر من الغرور:
وحق ذلك العمل بعد انقضائه حذر النفس من الغرور، فغرورها مبني على نسبة ما كان من السعي لكسبها، فذلك لتحصيلها، وهي نسبة كاذبة غير صحيحة، فما كان من سعي أو كسب؛ فذلك فضل الله عز وجل، عطاؤه ومنته، إحسانه وجودة، لا نسبة لشيء من ذلك للعبد ألبتة.
رابعا: بالمداومة على الطاعات:
وحق ذلك العمل بعد انقضائه أن يعلم المرء أن علاقة قبول إنما هي التوفيق لنظائره وأمثاله بعد انقضائه، وأن يعلم أن انقضاء موسم ذلك العمل يعني استجماع عدوه قوته في حبسه عن المزيد من ذلك العمل، حتى يجمع العدو اللعين كل الموانع والقواطع عن الصيام والقيام وتلاوة القرآن، فيحصل بعد رمضان انحدار شديد لما كان من الأعمال الصالحة بذهابها وفواتها.
خامسا: بالاستعانة بالله لدفع الشواغل:
فحق تلك الأعمال التى أوتيتموها وأعانكم الله عليها أن تحذروا لها من مكايد العدو المتربص بها، حتى إذا جمع الشواغل، وكثر الهموم والموانع والقواطع، كان عندكم من استعانتكم بالله عز وجل، واستمدادكم لقوته، كان عندكم من ذلك ما يدفع الشواغل والموانع والقواطع، وإلا فإن أي استسلام لذلك يعني ذهاب رمضان وانقطاعه بأعماله الصالحات، ويعني رجوع العبد إلى مرذول عاداته وسيء مألوفاته التي هي حبس عن الله عز وجل، وانقطاع عن السير إليه، وتقصير في تحصيل أسباب النجاه.
إخوتاه ..
أعلموا أن الراحة لا تنال بالراحة، ومعالي الأمور لا تنال بالفتور، ومن زرع حصد، ومن جد وجد.
لله در أقوم شغلهم تحصيل زادهم عن أهاليهم وأولادهم، ومال بهم ذكر المال عن المال في معادهم، وصاحت بهم الدنيا فما أجابوا شغلا بمرادهم، وتوسدوا أحزانهم بدلا من وسادهم، واتخذوا الليل مسلكا لجهادهم واجتهادهم، وحرسوا جوارحهم من النارعن غيهم وفسادهم.
أقبلت قلوبهم ترعى حق الحق؛ فذهلت بذلك عن مناجاة الخلق.
فالأبدان بين أهل الدنيا تسعى، والقلوب في رياض الملكوت ترعى.
نازلهم الخوف فصاروا والهين، وناجاهم الفكر فعادوا خائفين.
وجن عليهم الليل فباتوا ساهرين، وناداهم منادي الصلاح: حي على الفلاح، فقاموا متجهين.
وهبت عليهم ريح الأسحار فيتقظوا مستغفرين، وقطعوا بند المجاهدة فأصبحوا واصلين.
فرجعوا وقت الفجر بالأجر .. فيا خيبة النادمين.
اللهم يا ولي الإسلام وأهل مسكنا بالإسلام حتى نلقاك به
وصلى الله على نبينا محمد وآله والحمد لله رب العالمين