كشف الشبهة المثارة في قول الإمام ابن عبد البرّ في الختان
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[22 Nov 2008, 10:31 ص]ـ
بيان تمام و مراد قول ابن عبد البر: (والذي أجمع المسلمون عليه الختان في الرجال .. )
و أنه راجعٌ إلى قوله: " و أجمع العلماء على أن إبراهيم أول من اختتن "
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على خاتم الأنبياء و المرسلين، سيدنا محمدٍ النبيّ الأمين، و على آله الأطهار المُكَرّمين، و أصحابه الأبرار الميامين، رضي الله عنهم أجمعين، و مَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
و بعد
فهذا البحث واحدٌ من عدة بحوث، تتتبّع و تكشف أهَمّ الشُبهات، التي أثارها و اعتَلّ بها كثيرٌ مِن منكري مشروعية ختان الإناث – المعاصرين – و هي شُبهات واهيات، لا تستطيع الوقوف أمام الأدلّة الشرعية القوية القاطعة بمشروعيته، مثل الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم – في وجوب الغُسْل عند جماع الزوجيْن -: إذا " مَسّ الختانُ الختانَ ". أيّ للرجل و المرأة، و المُراد به: مَوْضعه، و كذا الإجماع الصريح على مشروعيته.
قال الله عَزّ و جَلّ في شأن رسوله الكريم: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ}. [الحشر: 7]
و هذان الدليلان مما لا يَسَع المخالفين ردّه أو إنكاره، و لذا احتالوا بالاستتار وراء أقوال ظنّوها - بغير حقٍ - تسند دعاواهم. و هو ما سَنُبيّن بُطلانه هنا؛ بِوَجْهٍ جَلِيٍّ، يزيل التلبيس و التدليس، إن شاء الله تعالى.
* * *
كان الاستشهاد بأقوالٍ مبتورة ة مجتزأة، و الاستدلال بها في غير مواضعها من المسالك التي سلكها نفرٌ من المعاصرين المنكرين لمشروعية ختان الإناث، و من ذلك استشهادهم – في نفيّ مشروعية و سُنية ختان الإناث - بقول الإمام ابن عبد البر: (و الذي أجمع المسلمون عليه الختان في الرجال)، و قالوا إنه يَدلّ على أن الختان للرجال فحسْب. و هذا القدر من قول ابن عبد البر ظاهره مُوهم، و لكن له تتمة تُبيّن مقصوده، و إيراده مع إغفالها – في مجال الاستشهاد للإنكار - فيه تدليس وتلبيس؛ إذ ذكروا كلامه و احتجوا به في غير محله، من غير تكملة بقية جملته، مع ضرورة تتمته؛ لفهم مراده به،، و سيأتي بيانه.
بيان تمام كلام الإمام ابن عبد البر في الختان، و مراده به
توهموا و أوهموا – بسوء فهمٍ أو بسوء قصد - بأن قول ابن عبد البر: " و الذي أجمع المسلمون عليه الختان في الرجال " معناه: " و الذي أجمع المسلمون عليه الختان للرجال " أي أنه خاصٌ بالرجال، و هذا خاطئ من وجوه:
أولها: أن قوله: " الختان في الرجال " معناه: الختان في حق الرجال، و هذا لا ينفيه في حق غيرهم من النساء، بخلاف لو قال مثلاً: الختان للرجال. و سَكَتْ؛ فاللام هنا تفيد الاختصاص، و هو ما لم يقع.
الوجه الثاني: أن كلام ابن عبد البر: " ... الختان في الرجال " له تتمة ضرورية لفهم مراده به، و هي قوله عقبه مباشرة: " على ما وصفنا "؛ إشارةً إلى كلام له متقدم، وعبارة ابن عبد البر بتمامها: " و الذي أجمع المسلمون عليه الختان في الرجال على ما وصفنا "؛ قالها في كتابه "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ". و سيأتي بيانها.
الوجه الثالث: يستحيل – قطعاً – أن يكون مراد ابن عبد البر بكلامه هذا: الإجماع على أن الختان للرجال فحسْب، و نفْيّ مشروعية ختان النساء،كما ادعوا؛ لاتفاق الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب الفقهية المشهورة في بلاد الإسلام على مشروعية و إباحة ختان النساء، و لا وجود لإجماعٍ خالفه إمامٌٍ واحد منهم، فكيف بجميعهم؟!
و تصريح الإمام ابن عبد البر نفسه – في كتابه " الكافي في فقه أهل المدينة " - بأن الختان مكرمة للنساء، يدحض ما ادّعوه؛ قال: (ومن فطرة الإسلام عشر خصال الختان وهو سنة للرجال ومكرمة للنساء، وقد روي عن مالك أنه سنة للرجال و النساء). اهـ
¥