تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[(رخص ابن عباس وتشديدات ابن عمر)]

ـ[أم الأشبال]ــــــــ[13 Nov 2008, 06:41 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على نبينا محمد.

أما بعد:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأخوة الأفاضل.

اشتهرت العبارة التالية:

[(رخص ابن عباس وتشديدات ابن عمر)]

وأستغرب ممن يقول:

[أن ابن عمر كان يغسل عينيه في الوضوء حتى عمي]

نعم هم علماء أجلاء، لكن كل يؤخذ من قوله ويرد.

لماذا أتعجب!

لأن السبب الذي جعل عين ابن عمر يصيبها ما أصابها في الكبر مجهول، فقد يكون الماء الذي يتكون في العين عند الشيخوخة والتقدم في السن وهذا معروف في زماننا هذا.

ودائما نقرأ على بعض المستحضرات أنه إذا أصاب العين منها شيئا لابد أن يغسلها الإنسان بالماء، بل أن هناك مستحضر يستخدمه البعض يوميا تقريبا يتكون من الماء وقليل من الملح يباع في الصيدليات لتنظيف العين، وعدى أننا نعرف أن أجدادنا كانوا بحارة يدخلون في أعماق المحيط لجمع اللؤلؤ وأعينهم مفتوحة، ويستمر هذا الأمر لمدة 4 شهور يوميا تقربا ثم يعودون، وتمتعوا بأعينهم سليمة والحمد لله.

أشعر بالحزن عندما أجد هذه العبارة تتردد.

وبالنسبة لعبارة:

[(رخص ابن عباس وتشديدات ابن عمر)]

هذه العبارة تفهم على غير ما كان مرادا منها كما أظن، والله أعلم.

ولنفهم القضية نرجع إلى أصل العبارة، فقد ظهرت هذه العبارة على حد علمي عندما قال الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور للإمام مالك:

"يا أبا عبد الله لم يبق على وجه الأرض عالم غيري و غيرك أما أنا فقد اشتغلت في السياسة وأما أنت فضع للناس كتابا في السنة والفقه تجنب فيه رخص ابن عباس و تشديدات ابن عمر وشواذ ابن مسعود ووطئه توطئة."

لكن هل قصد أبا جعفر بقوله السابق أن كل فتاوى ابن عباس رخص، وكل فتاوى ابن عمر تشديدات! طبعا لا، ولكن يقصد ما أعتقد نتيجة كونه عالم أنه كذلك.

فقد يأتي عالم ويرى نتيجه اجتهاد منه أن فتوى ابن عمر في مسألة ما هي ما دلت عليه النصوص، وليس فيها تشديدا، وقد يرى آخر أن فيها تشديدا لأنه اجتهد ورأى الرأي الأيسر هو الأرجح.

وهذا ما فهمه ابن القيم عندما قال في زاد المعاد:

" [بَعْضُ الْمَسَائِلِ الّتِي تَرَخّصَ بِهَا ابْنُ عَبّاسٍ وَتَشَدّدَ بِهَا ابْنُ عُمَرَ]

وَكَذَلِكَ كَانَ هَذَانِ الصّاحِبَانِ الْإِمَامَانِ أَحَدُهُمَا يَمِيلُ إلَى التّشْدِيدِ وَالْآخَرُ إلَى التّرْخِيصِ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةٍ. وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ: كَانَ يَأْخُذُ مِنْ التّشْدِيدَاتِ بِأَشْيَاءَ لَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهَا الصّحَابَةُ فَكَانَ يَغْسِلُ دَاخِلَ عَيْنَيْهِ فِي الْوُضُوءِ ... وَكَانَ إذَا مَسَحَ رَأْسَهُ أَفْرَدَ أُذُنَيْهِ بِمَاءِ جَدِيدٍ وَكَانَ يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ الْحَمّامِ وَكَانَ إذَا دَخَلَهُ اغْتَسَلَ مِنْهُ وَابْنُ عَبّاسٍ: كَانَ يَدْخُلُ الْحَمّامَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَتَيَمّمُ بِضَرْبَتَيْنِ ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةً لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا عَلَى الْكَفّيْن وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يُخَالِفُهُ وَيَقُولُ التّيَمّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفّيْنِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَتَوَضّأُ مِنْ قُبْلَةِ امْرَأَتِهِ وَيُفْتِي بِذَلِكَ وَكَانَ إذَا قَبّلَ أَوْلَادَهُ تَمَضْمَضَ ثُمّ صَلّى وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَقُولُ مَا أُبَالِي قَبّلْتُهَا أَوْ شَمَمْتُ رَيْحَانًا .. " أهـ

والملاحظ من ابن القيم أنه عمل مقارنة بين مقارنة بين الصحابيين الجليلين رضي الله عنهما، ليرينا الفرق بين اجتهاد ابن عمر في هذه المسائل واجتهاد ابن عباس، وأن ابن عباس أوصله اجتهاده للرأي الذي فيه تيسير، وابن عمر للرأي الذي فيه شدة بعض الشيء، لكن كلٌ مجتهد فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر، ولهذا بدأ ابن القيم كلامه بقوله:

" بعض المسائل .... "

فليس كل مسائلهم انصبغت بهذه الصبغة، مما يدل على دور الاجتهاد الواضح، وليس ميل النفس والتشهي، أو تأثير البيئة كما أشار أحد الكتاب، بل أن بعض الصحابة قد وافقهم في بعض هذه المسائل.

ولا يحق لنا بعد ذلك كما أظن ونحن نناقش مسألة معينة، وعند عرض رأي أحدهما نقول:

هذا الصحابي متشدد حتى حصل له كذا وكذا، بل نناقش في حدود النصوص، ولا بأس أن نعرض الآراء مستفيدين وموجهين في الحدود المعروفة، وأنصح نفسي بهذا أولا، ومن قرأ ثانيا.

ومن عنده توجيه أو تصويب فلا يبخل على العبد الفقير.

متعكم الله تعالى بالصحة والعافية.

والله تعالى أعلى وأعلم وأحكم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير