[أيها المسلمون: تعلموا من جعفر ورفاقه]
ـ[أبو الخير صلاح كرنبه]ــــــــ[07 Oct 2008, 02:17 م]ـ
الجمعة 18 من ذو القعدة1427هـ 8 - 12 - 2006م الساعة 12:06 ص مكة المكرمة 09:06 م جرينتش
الصفحة الرئيسة-> ذاكرة الأمة -> مواقف ذات عبر 10/ 6/2008 12:47:17 PM
[أيها المسلمون: تعلموا من جعفر ورفاقه]
كتبه للمفكرة: شريف عبد العزيز
[email protected]
مفكرة الإسلام: في أزمان الغربة والانكسار تصبح العزة بضاعة غالية وعزيزة، لا يقوى على ابتياعها إلا من يدفع ثمنها روحًا ودمًا وبذلاً وتضحية، ونحن معاشر المسلمين في أمس الحاجة لمواقف نتعلم منها كيف تكون العزة والكرامة والصمود والتضحية من أجل نصرة هذا الدين، وهاكم قصة واحد من المجاهدين القائمين على الحق، الباذلين في سبيل الإسلام النفس والنفيس، والتي ذكرها الأستاذ العالم الهندي الكبير أبو الحسن الندوي في كتابه النفيس "المسلمون في الهند".
في يوم 2 مايو سنة 1864 ميلادية، جلس القاضي الإنجليزي في محكمة "إنباله" ومعه أربعة من وجهاء البلد؛ ليروا رأيهم في القضية، التي اتهم فيه مجموعة من المجاهدين "11 رجلاً" بالتآمر على الحكومة الإنجليزية في الهند، وكانوا يساعدون أنصار الإمام الشهيد أحمد بن عرفان على حدود أفغانستان بالمال والرجال؛ مما جعل الإنجليز يغتاظون بشدة من المجاهدين، أن المجاهدين قد وضعوا لمراسلاتهم مع باقي المجاهدين لغة رمزية، وكانوا يجمعون الأموال من الناس حتى رعايا الإنجليز أنفسهم، ويرسلونها سراً، إلى مركز الثوار، وقد تم القبض على المجاهدين بسبب وشاية أحد الخونة المسلمين، وفى يوم صدور الحكم عليهم قال القاضي الإنجليزي الحاقد وهو يخاطب قائد المجموعة واسمه جعفر [إنك يا جعفر رجل عاقل متعلم، ولك معرفة حسنة بقانون الدولة، وأنت عمدة بلدك ومن سراته، ولكنك بذلت عقلك وعلمك في المؤامرة على الحكومة، وكنت واسطة في انتقال المال والرجال من الهند إلى مركز الثوار وها أنذا أحكم عليك بالإعدام، ومصادرة جميع ما تملك من مال وعقار، ولا يسلم جسدك بعد ذلك إلى ورثتك، ويدفن في مقابر الأشقياء بكل مهانة، وسأكون سعيداً مسروراً حين أراك معلقاً مشنوقاً]. وهكذا نرى مدى التشفي والحقد في نفس هذا الجلاد الصليبي المتشح زوراً بلباس القضاء، ونرى كلماته وهي تقطر حسداً وغيظاً على هذا المجاهد البطل.
فما كان جواب البطل؟
لم يكد هذا الجلاد الحاقد ينتهي من شماتته، حتى أجابه المجاهد البطل بكل وقار واتزان وهو متهلل الوجه مستبشر القلب [إن الأرواح بيد الله تعالى يحيي ويميت، وإنك أيها القاضي، لا تملك حياة أو موتاً، ولا تدري من السابق منا إلى منهل الموت]، وتعجّب الإنجليز من هذا الجواب، فتقدم إليه الضابط الإنجليزي "بارسن" وقال له "لم أر كاليوم، يحكم عليك بالإعدام، وأنت مسرور مستبشر"
فقال له جعفر "وما لي لا أفرح ولا أستبشر، وقد رزقني الله الشهادة في سبيله، وأنت مسكين لا تدرى حلاوتها"
وقد حكم على اثنين آخرين بالإعدام، أحدهما شيخ مسن كبير هو مولانا يحيى الصادق بوري وشاب ثري من البنجاب هو الحاج محمد شفيع، وحكم على الباقين وهم ثمانية بالنفي المؤبد ووضع الجميع في السجن انتظاراً لتنفيذ حكم الإعدام، وخلال هذه الفترة كان جعفر ورفاقه في غاية السرور والفرح ينتظرون حكم الإعدام بفارغ الصبر، مثل الحبيب الذي ينتظر حبيبه وكان مولانا يحيى يتمثل وهو في سجنه بقول الصحابي الجليل خبيب بن عدي رضي الله عنه:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً ... على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
انظروا إلى الحقد والحسد الصليبي للإنجليز
أحس الإنجليز أن المجاهدين فرحون مسرورون بحكم الإعدام وينتظرونه بفارغ الصبر فاشتعلت قلوبهم بالغيظ والحقد وتميزت نفوسهم السوداء بما عليه المجاهدون من حال طيبة، وجن جنونهم، حتى دخل عليهم حاكم المدينة "إنباله" يوماً بنفسه وهم في سجنهم، ثم قال لهم:
(إنكم أيها الثوار تحبون الشنق، وتعدونه شهادة في سبيل الله، ولا نريد أن نبلغكم أملكم، وندخل عليكم السرور، ولذلك نلغي حكم الإعدام، ونحكم عليكم بالنفي المؤبد إلى جزائر سيلان)
وبالفعل سيقوا إلى الأشغال الشاقة، ونقلوا من سجن إلى سجن، حتى وصلوا أخيراً إلى جزائر أندمان في خليج البنغال، وظلوا هناك لمدة ثمانية عشر سنة حتى أفرج عنهم سنة 1883 ميلادية، وعاد جعفر ورفاقه إلى بلدهم، وقد هلك القاضي الإنجليزي الذي كان يتشفى في المجاهدين
وهكذا يعلمنا جعفر ورفاقه كيف يكون الصمود والاستعلاء والاعتزاز بالدين والفرح بالشهادة التي هي غاية كل مسلم صادق، وصدق الصديق (احرص على الموت توهب لك الحياة).