تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[فصل الدين عن العلم كفصل الرأس عن الجسد]

ـ[د. ظافر القرني]ــــــــ[14 Nov 2008, 07:02 م]ـ

[فصل الدين عن العلم كفصل الرأس عن الجسد]

عندما نتكلم عن الدين، فإن المقصود هو دين الإسلام الذي ارتضاه الله للناس كافة، وأرسل به رسله، وأنزل به كتبه، التي ختمها بالقرآن الكريم المنزل على محمد صلى الله عليه وسلّم. والدين الإسلامي هو دين العلم، جاء بالعلم، وبني على العلم، وحثّ على العلم، وفاضل بين النّاس بالعلم. وليس بصحيح أن منهج الدين هو الإيمان والتسليم والتقليد دون علم وبرهان. إذا قلنا بهذا، فأين نضع القرآن الكريم والأحاديث النبويّة، وأين نضع الجهد الذي بذله الرسول الكريم طوال سني عمره لتعليم النّاس شؤون دينهم ودنياهم، وإقامة الحجة عليهم؟

ولا ريب أنّ الرسول الكريم محمد بن عبد الله هو الذي خلّص النّاس، بأمر الله، من ضلالات العلم فيمن سبق من الأمم، إذ جاء بالعلم الحقّ الذي تعمر به الحياة الدنيا والآخرة، وأدلة ذلك بين يدي النّاس إلى قيام الساعة. وقد قامت الحياة على ما جاء به من علم، وما زالت، ولكن المشكلة تكمن فينا نحن المسلمين، حيث تنكبنا طريق الحقّ بعد بيانه، ولذنا بمعارف بعض من سبقنا من الأمم، وهي معارف عيوبها أكثر من حسناتها، وشرّها أكثر من خيرها. نعم لقد عاد من عاد من أبناء المسلمين إلى أخذ بعض مناهج العلم الضالة ممن سبقنا من الأمم، فكان الخذلان حليفنا في كثير من جوانب الحياة، ولله في خلقه شؤون.

أما ترانا نقدّم للطفل منذ سنواته الأولى في المدرسة بعض الكتب الميسرة التي تُقبل به إلى رحاب العلم، كالقرآن، والتوحيد، والحديث، والفقه، والتاريخ، والجغرافيا، والرياضيات، ثمّ نضع من ضمنها بين يديه كتاب العلوم. والعلوم مفردها علم، فتنغرس في قلب الطفل منذ الصغر فكرة أن العلم شيء، والدين وبعض المعارف الأخرى شيء آخر. فالقرآن لديه ليس بعلم، والتوحيد كذلك، والفقه، والجغرافيا، والتاريخ حيث ذهب كتاب العلوم بصفة العلميّة وترك غيره خاليًا منها بتاتا. هذا ما يستقر في ذهن الطفل سواء تكلمنا به أم لم نتكلم. ثمّ يترقى في التعليم فتستمر معه هذه الرؤية الضالة إلى أن يقبل على الجامعة؛ فإذا به يرى كلية التربية، وكلية الآداب، وكلية الهندسة، وكلية الصيدلة، وكلية الطب، وكلية الزراعة، وبينها كلية العلوم. فيزيد إيمانه بصحة خطأ فادح، ويبدأ في المنافحة عنه بلسانه وقلمه. والحجة الواهية في ذلك، عند من يُحسن بهم الظن، أننا نعلم أن المقصود بالعلوم هو بعض التخصصات البحتة؛ ولكن ماذا عن الحقول المعرفية الأخرى أليست علومًا؟ إن هذه التركيبة العلميّة العجيبة المستوردة خطيرة جدًا ويجب تغييرها بأسرع وقت ممكن، على كلّ المستويات التعليمية في بلاد المسلمين، حتّى لا تستمر حالة الضعف التي نشهدها في الأمة. ولولا خشية الإطالة لشرحت لماذا ستستمر حالة الضعف الشديد في الأمة إن استمرت هذه التركيبة العلميّة الغريبة.

والحقيقة النّاصعة أن العلوم جميعها على اختلافها وكثرتها وقابليتها للتّنوّع، تقوم على الكلمة حتّى تلك التي نظنها قائمة على الأرقام والمعادلات، وتُسمّى علمية أو تطبيقية أو بحتة أو تجريبية مع إنكارنا لهذه التسميات. وبما أن الاسم هو أشرف الكلمات فيمكن أن يقال إن العلوم جميعها تقوم على الاسم. ولنقرأ قول الله تعالى: "وَإِذ? قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَـ??كَةِ إِنِّى جَاعِلٌ? فِى ?لأَر?ضِ خَلِيفَةً? ? قَالُو?اْ أَتَجعَلُ فِيهَا مَن يُفسِدُ فِيهَا وَيَسفِكُ ?لدِّمَا?ءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ? قَالَ إِنِّى? أَعلَمُ مَا لَا تَعلَمُونَ (*) وَعَلَّمَ ءَادَمَ ?لأَسمَا?ءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَُهم? عَلَى ?لمَلَـ??كَةِ فَقَالَ أَنبِـ?ُونِى بِأَسمَا?ءِ هَـ??ؤُلَا?ءِ إِن كُنتُم? صَـ?دِقِينَ (*) قَالُواْ سُبحَـ?نَكَ لَا عِلمَ لَنَا? إِلَّا مَا عَلَّمتَنَا? ? إِنَّكَ أَنتَ ?لعَلِيمُ ?لحَكِيمُ (*) قَالَ يَـ??ـ?َادَمُ أَنبِئهُم بِأَسمَا?ئهم ? ? فَلَمَّا? أَنبَأَهُم بِأَسمَا?ئهم? قَالَ أَلَم? أَقُل لَّكُم? إِنِّى? أَعلَمُ غَيبَ ?لسَّمَـ?وَ?تِ وَ?لأَر?ضِ وَأَعلَمُ مَا تُبدُونَ وَمَا كُنتُم? تَكتُمُونَ (*) (البقرة، 30 - 33)، لعلنا أن نقترب قليلاً من معنى العلم، ونعرف شيئًا ما عن ماهيّتة. ومن يتتبع كيف

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير