أرشيف ملتقى أهل التفسير

[خاطرة على درب الحبيب صلى الله عليه وسلم]

ـ[أبو الخير صلاح كرنبه]ــــــــ[24 Nov 2008, 08:33 ص]ـ

[خاطرة على درب الحبيب صلى الله عليه وسلم]

(2)

أخرج البخاري (رحمه الله) في الصحيح قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: الْتَقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَاقْتَتَلُوا فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا فَضَرَبَهَا بِسَيْفِهِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجْزَأَ أَحَدٌ مَا أَجْزَأَ فُلَانٌ فَقَالَ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالُوا أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ لَأَتَّبِعَنَّهُ فَإِذَا أَسْرَعَ وَأَبْطَأَ كُنْتُ مَعَهُ حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَجَاءَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ).

فهل نسير في حياتنا إلى المجهول؟!! ... فإذا كان الأمر كذلك فلا بد من مراجعة حساباتنا مع أنفسنا في كل يوم بل في كل ساعة وفي كل لحظة .. يقول ربنا تبارك وتعالى: (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) ويقول سبحانه: (والعصر إن الإنسان لفي حسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). فالأمور إذا بخواتيمها دنيا وأخرى .. تصوروا أن خروج الروح من الجسد وافق الكلمة الطيبة والعمل الصالح .. فما ظنكم بصاحب هذا الموقف .. ولو كان العكس فوافق خروج الروح من الجسد الكلمة الخبيثة والعمل السوء .. فما ظنكم بصاحب هذا الموقف؟!!

أخرج الإمام البخاري (رحمه الله) في صحيحه قال: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ هُوَ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ قَالَ:قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَرَّتْ بِهِمْ جَنَازَةٌ فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَبَتْ ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَبَتْ ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا شَرًّا فَقَالَ وَجَبَتْ فَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ فَقُلْتُ وَمَا وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ قُلْتُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ فَقُلْنَا وَثَلَاثَةٌ قَالَ وَثَلَاثَةٌ فَقُلْنَا وَاثْنَانِ قَالَ وَاثْنَانِ ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنْ الْوَاحِدِ. فالسفر طويل والطريق شائكة والزاد قليل فلا بد من أخذ الحيطة ومضاعفة الجهد وإخلاص النية وصفاء الطوية والتأهب للقاء الله تبارك وتعالى وترك التسويف وعدم اللهو (فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) .... فلا يلهينكم الأمل عن الأجل كقول الواعظ: (كأن الموت فيها على غيرنا كتب، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب، وقد نسينا كل واعظة، وأمنا كل جائحة.) فإنك لا تعلم يا عبد الله ما اسمك غدا ...

ومع ذلك فالحياة نضْرة وسمو وعطاء وخير وبر وإحسان وحيوية وارتقاء فلا تهملوا دوركم فيها ولا تتركوا سبيلها معرضين .. ولا تعتزلوا الناس مختارين ...

قال الإمام أحمد (رحمه الله) في المسند: حدثنا يزيد، حدثنا سفيان بن سعيد، عن يحيى بن وَثَّاب، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (5) قال: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أعظم أجرا من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم".