[أزمة الاقتصاد العالمي تعيد قضية «تخصص المشايخ» للسطح]
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[16 Nov 2008, 07:49 م]ـ
[أزمة الاقتصاد العالمي تعيد قضية «تخصص المشايخ» للسطح]
بن بية: في أوقات الأزمات والفتن تكثر الفتاوى الفردية والمجامع الفقهية الأقرب للصواب
جدة: منال حميدان
المصدر: جريدة الشرق الأوسط ( http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=17&article=494406&feature=1&issueno=10941)
16-11-2008
أعادت الأزمة التي يمر بها الاقتصاد العالمي قضية تخصص رجال الدين وخلفياتهم العلمية التي يستندون إليها إلى السطح من جديد، فلم تمض على الأزمة الاقتصادية، التي مازالت تتصدر وسائل الإعلام وتشغل عقول الناس، أيام قليلة حتى بدأ العديد من رجال الدين بمنافسة خبراء الاقتصاد من خلال تقديم تحليلاتهم ونصائحهم حول الأزمة من دون أن تستند هذه التحليلات دائماً إلى خلفية علمية متخصصة في مجال الاقتصاد.
أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلامي بجامعة قطر، والخبير في المجمع الفقهي الإسلامي الدكتور علي القره داغي، والذي اختصر الأزمة الاقتصادية العالمية خلال خطبة الجمعة بانهيار النظام الربوي الذي يعتمد عليه الاقتصاد الغربي، وأيده في الطرح نفسه العديد من الأئمة والخطباء في العالم العربي والإسلامي.
وفي الأزهر، اتبع عدد من المشايخ والعلماء الأسلوب نفسه في الحديث عن المشكلة، من خلال خطب الجمعة أو التصريحات الصحافية.
فالشيخ يوسف البدري عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أكد بأن السبب المباشر وراء أزمة الاقتصاد هو التعامل بالربا الذي يتعارض مع الشريعة الإسلامية، مشيراً إلى أن علماء الاقتصاد الإسلامي توقعوا انهياره في العام 2010.
والحديث عن قضية اقتصادية بمثل هذا الحجم والخطورة له شقين، الشق الأول يتعلق بتفاصيل القضية وتوابعها من ناحية فقهية متخصصة، أما الشق الآخر فيتعلق بالحديث عن القضية على الملأ واستنباط العبرة والحكم كما يفعل عادة أئمة المساجد والوعاظ. وتعامل رجال الدين مع كلا الجانبين أثار الكثير من التعليقات حول مدى صوابية الطرح.
الفقيه والمفكر الإسلامي، الدكتور عبد الله فدعق، من جانبه انتقد تناول بعض الفقهاء والخطباء للأزمات بدون التخصص، لافتاً إلى أن التخصص والخلفية العلمية المتبحرة شرط أساسي عند الحديث عن أي قضية. وعلق فدعق على القضية بقوله: «المتابع لمظاهر الأزمة الاقتصادية العالمية وآثارها الخطيرة على التنمية والبطالة يعلم بلا شك مدى ضرورة المساهمة في تقديم الرؤية الاقتصادية الإسلامية الصالحة لإنقاذ العالم من تكرار هذه الأزمات».
وأضاف فدعق: «والمتابع المنصف يرى أيضاً أن السبب الرئيس للأزمة الحالية هو إبعاد الضوابط الأخلاقية والدينية عن أوجه النشاط الاقتصادي وتشجيع التشريعات الاقتصادية لكل أنواع الجشع والتعامل الربوي، وشيوع الفساد، ولعل من المناسب دعوة المستثمرين ورجال الأعمال كافة إلى الاستثمار في بلدان العالم الإسلامي لأن دولهم أحق بأموالهم وعلى الدول الإسلامية تذليل سبل ذلك لأبنائها.
أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز، ونائب رئيس الاتحاد للعلماء المسلمين، الدكتور عبد الله بن بية، أكد بأن الحكم على أي قضية لا يتأتى إلا بعد تشخيص الواقع، وتوصيفه وفهمه جيداً، ومن ثم إصدار الحكم عليه. وبأخذ قضية أزمة الاقتصاد العالمي كمثل فإن المسألة يمكن تناولها من جانبين؛ جانب الفلسفة العامة لحرية المبادرة الاقتصادية وهي مطلقة وغير مقيدة ومن الممكن أن يتحدث الوعاظ بشكل عام عن هذه الفلسفة وينتقدوا اختلافها عن مبادئ وروح الشريعة الإسلامية بحرية. أما الجانب الآخر فهو يتعلق بالترتيبات والأنظمة التي نشأت عن هذه الفلسفة أو ما يسمى المنتجات المشتقة كبيع الديون والرهون وغيرها، فهي ترجمة لهذه الفلسفة ومنتجات يحتاج الفقيه أو رجل الدين إلى دراية واسعة بها قبل الحديث عنها، وهي تخالف الأصول والمقاصد الإسلامية. فالحديث في الإطار العام مقبول لكن الحديث في التفاصيل يلزمه تخصص".
وأشار بن بية إلى أنه في أوقات الأزمات والشدائد تكثر الفتاوى الفردية والسريعة، والتي تخضع بشكل أساسي لمدى اطلاع وفقه ورؤية وتثبت صاحبها وبالتالي تتفاوت كثيراً. في حين أن الفتاوى والأحكام الصادرة عن المجمعات الفقهية تمتاز بكونها أكثر موثوقية وأكثر إحكاماً، نظراً لأن عمل هذه المجمعات يتميز بالتكامل بين الفقهاء ورجال الدين والمتخصصين في شتى العلوم والمعارف الإنسانية، بحيث لا يصدر رجل الدين فتواه أو حكمه إلا بعد مرحلة مطولة يقوم فيها بتشخيص القضية وتوصيفها بدقة وفهمها من جميع جوانبها بالاستعانة بالخبراء والمتخصصين في هذه المجالات، ولذلك أدعو الناس إلى الأخذ بما يصدر عنها».
وأضاف بن بية: «أنصح الناس بالأخذ برأي المجامع الفقهية بشكل خاص فيما يتعلق بالقضايا الكبرى كقضايا الأمن والسلام والتكفير وغيرها، إلى جانب القضايا المتعلقة بالمال والشركات والمصارف، والقضايا التي تحتاج إلى تخصص علمي دقيق، في حين يمكن الأخذ بالفتاوى الشخصية فيما يتعلق بالأمور الخاصة كالنسك وغيرها».
أما فيما يتعلق بطريقة تعاطي الخطباء والوعاظ مع أزمات غير المسلمين، وما يمكن أن يسمى «شماتة بعض الخطباء والوعاظ في شعوب أخرى أو عدم إظهارهم للتعاطف مع خسائرهم»، قال بن بية: ديننا بصفة عامة يدعو إلى التسامح والتعاطف حتى مع غير المسلمين والحديث «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» يشمل الأخوة في الإنسانية وليس في الملة والدين فقط على رأي الفقهاء والعلماء عبر القرون، لذلك علينا أن نبدي بعض التعاطف والأمل بأن تتحسن أوضاعهم، فالفقراء في الحقيقة هم الأكثر تضرراً، ولعل بعض الخطباء يتحدثون بنبرة أقل تعاطفاً بسبب تأثرهم لما يحدث في العراق. فالأميركيون أنفسهم يعارضون ما فعله المحافظون الجدد في العراق، ومع هذا فديننا يبقى دين تسامح كما أسلفت. والمهم هو أن نتحدث عن القضية بشكل حكيم يقدم العبرة والعلاج ويشخص الواقع ليجنب الناس ضياع أموالهم في استثمارات بلا ضمانات».