[طبعة جديدة محققة لكتاب (موسوعة الإصابة في تمييز الصحابة) لابن حجر العسقلاني]
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[22 Dec 2008, 10:54 م]ـ
ضمن المشروعات العلمية الجديدة لمعالي الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي صدرت موسوعة (الإصابة في تمييز الصحابة) لابن حجر العسقلاني
بتحقيقه بالتعاون مع مكتب التحقيق في دار هجر، وهذه التفاصيل بقلم الشيخ عبدالله التركي وفقه الله كما في صحيفة الجزيرة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... أما بعد:
فإن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، خير قرون الإسلام، وأبر الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوم أدبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأدب النبوة، وعلمهم الكتاب والحكمة وزكاهم، وأثنى الله تعالى عليهم بجميل الثناء في كتابه العزيز، فقال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} سورة التوبة 100).
فذكر أن الصحابة على درجتين، منهم سابقون ومنهم لاحقون، وأنهم وإن استووا في الفوز برضوان الله والبشارة بما أعد لهم من جناته، إلا أن السابقين للإسلام والهجرة والنصرة، والذي شهدوا بيعة العقبة أو غزوة بدر أو الحديبية، لهم فضل ومزية على غيرهم، من مثل مسلمة الفتح وأصحاب الوفود والمولودين في زمن الإسلام.
وفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على سائر الأمة، ثابت لا مرية فيه، فهم الذين عزروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروه بأموالهم وأنفسهم، فلم يتخلفوا عنه ولا رغبوا بأنفسهم عن نفسه، قال كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة توبة الله عليه في تخلفه عن غزوة تبوك: فطفقتُ إذا خرجتُ في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحزنني ذلك أني لا أرى لي أسوة إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء.
وقد صبروا في البأساء والضراء وحين البأس، حتى توطدت بجهودهم دعامة الإسلام في الجزيرة العربية وخلصت للتوحيد بعد الوثنية، ثم انطلقوا في الأرض يضربون فيها الأغوار والأنجاد، يبلغون رسالة ربهم إلى أمم العالم.
وهم الذين جمعوا القرآن الكريم في مصحف واحد، واستنسخوا منه نسخاً أرسلوها إلى الأمصار الإسلامية، لتكون أئمة للناس في مصاحفهم.
ولازموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدوا معه التنزيل, عرفوا التأويل، وحملوا عنه العلم فكانوا له وعاة ورواة، حتى أدوه بأمانة وتثبت إلى من بعدهم، فمن أفواههم سمع التابعون السنة وبهم تفقهوا في الدين، واتفق جماهير العلماء على عدالتهم في النقل والرواية، وعد كثير من الأئمة آرائهم في المسائل الفقهية حجة على من بعدهم، ما لم يعارضها ما هو أقوى منها في الثبوت أو الدلالة.
ولما انفرد الصحابة رضوان الله عليهم بهذه المزايا، كان حقهم متأكداً على سائر أجيال الأمة إلى يوم القيامة، أن يعرفوا لهم فضلهم ويترضوا عليهم جميعها من دون مثنوية، ومن غير فرق بين الملازمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين من صحبه لمدة يسيرة، أو رآه مرة أو مرتين، فإن شرف الصحبة ثابت بأقل ما ينطلق عليه الاسم، قال الإمام البخاري -رحمه الله- في أول باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الجمعة: ومن صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه. اهـ.
ومن تمام معرفة فضلهم أن يعقد المسلم قلبه على حبهم، ويثني عليهم بالخير، ويترضى عليهم، ويحسن الظن بهم فيما شجر بينهم، فإنهم أحق الأمة أن يلتمس لهم أحسن المخارج.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الوقيعة في أصحابه، معللاً ذلك بقصور غيرهم عن بلوغ شأوهم، فقال: (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحُد ذهَباً ما بلَغَ مُدَّ أحدِهِم ولا نصِيفهُ) أخرجه الشيخان عن أبي سعيد الخدري.
¥