ـ[أبو الخير صلاح كرنبه]ــــــــ[02 Nov 2008, 09:40 م]ـ
يتبع .... بقية: =
5 ـ نهاية الأسراء وبداية المعراج:
ويكفي بيت المقدس شرفاً وفضلاً أن يكون منتهى إسراء النبي صلى الله عليه وسلم من مكة في ليلة الإسراء والمعراج إليه، فكأنه هو المستهدف من الإسراء أو الغاية الأخيرة منه، واقترانه بالمسجد الحرام وبالنبي صلى الله عليه وسلم أمر ليس بالسهل ومسألة ليست بالهيّنة. أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، قال: فركبت حتى أتيت بيت المقدس. قال: فربطته بالحلْقة التي يربط به الأنبياء. قال: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال عليه السلام: اخترت الفطرة. ثم عرج بنا إلى السماء).
وفي قوله: (ثم عرج بنا إلى السماء ... ) إشارة إلى أن بداية المعراج إلى السماوات العلا برسول الله صلى الله عليه وسلم كانت من بيت المقدس.
6 ـ مقر الأنبياء ومهدهم:
ومن شرف بيت المقدس ومنزلته السامية أن ارتبط اسم تلك البلدة العريقة بأسماء معظم الأنبياء في حياتهم وبعد مماتهم، فهذا إبراهيم عليه السلام يهاجر إليه، وهذا لوط يرافقه في هجرته، وهذا إسحاق ثم يعقوب يولدان ويعيشان فيه، ليأتي بعدَهما يوسفُ والأسباط وتبدأ الصلات القوية في عهدهما بين بيت المقدس ومصر، ثم يكون موسى عليه السلام الذي يقود بني إسرائيل ومعه أخوه هارون نحو العودة إلى بيت المقدس، ويستكمل طريق العودة طالوت وداود، ويوطن بني إسرائيل في بيت المقدس سليمان عليهما السلام، ثم تتوالى طوائف من الأنبياء لاعداد لها كزكريا وابنه يحيى وعيسى عليهم جميعاً وعلى نبينا أفضل الصوات وأتم التسليم ... هؤلاء وغيرهم كثير، كان محياهم في بيت المقدس أو مماتهم فيه ... حتى إذا بعث خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم توجه إلى بيت المقدس في صلاته منذ صلى، ثم شد الرحال على متن البراق قاصداً المسجد الأقصى ليتبع سنن الأنبياء من قبله، بل إن الله سبحانه جمع له الأنبياء في بيت المقدس جمعاً حقيقياً معجزاً كإسرائه ومعراجه، وليس جمعاً منامياً، فوقف بينهم خطيباً وقام فيهم إماماً. ففي مسند أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل المسجد الأقصى قام يصلي، فالتفت ثم التفت، فإذا النبيون أجمعون يصلون معه). قال ابن كثير: بيت المقدس الذي بإيلياء معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل عليه السلام. ولهذا جمعوا له كلهم فأَمَّهم في محلتهم ودارهم فدل على أنه الإمام الأعظم والرئيس المقدس ... قال عطاء الخراساني: بيت المقدس بنته الأنبياء وعمرته الأنبياء ووالله ما فيه موضع شبر إلا وقد سجد فيه نبي.
7 ـ أرض المحشر والمنشر:
وأرض بيت المقدس، ومن حولها الأرض المباركة فلسطين، هي أرض جمع الخلائق ساعة الحشر يوم الدين ... روى الإمام أحمد بسنده عن ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس؟ فقال: أرض المحشر والمنشر).
وفصّل بعض العلماء ـ تبعاً لبعض النصوص المأثورة ولو أنها ضعيفة ـ في ذلك تفصيلاً، فقال أبو عبدالله المنهاجي في كتابه "إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى": (وتوضع الموازين يوم القيامة ببيت المقدس، وينفخ إسرائيل في الصور ببيت المقدس ... ويتفرق الناس من بيت المقدس إلى الجنة والنار). ويقول ابن الجوزي: قال كعب: العرض والحساب ببيت المقدس.
8 ـ أولى القبلتين:
ومن فضائل المسجد الأقصى ببيت المقدس أنه كان أولى القبلتين، فإليه توجه المسلمون بصلاتهم قبل أن تحول القبلة إلى الكعبة المشرفة، وهذا باتفاق العلماء، وفيه دلالة على أن هذا البيت شرفه الله وكرمه، فوجه أنظار المسلمين إليه فترة من الزمن ابتداء من فرض الصلاة في أول الإسلام إلى ما بعد الهجرة النبوية بستة عشر شهراً أو بثمانية عشر شهراً.
9 ـ من الأحكام الشرعية الخاصة بالمسجد الأقصى:
وقد جمعت الموسوعة الفقهية جملة كبيرة من فضائل المسجد الأقصى فقالت: (تتعلق بالمسجد الأقصى أحكام منها ما يأتي:
الأول: استحباب ختم القرآن الكريم فيه. فعن ابن مجلّز قال: كانوا يستحبون لمن أتى المساجد الثلاثة أن يختم بها القرآن قبل أن يخرج: المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم وبيت المقدس. كما روي أن سفيان الثوري كان يختم به القرآن.
الثاني: استحباب الإحرام بالحج والعمرة منه, ذكره الزركشي وقال: ففي سنن أبي داود وغيره من حديث أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أَهَلّ بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) أو (وجبت له الجنة).
الثالث: حكي عن بعض السلف أن السيئات تضاعف في المسجد الأقصى. رُوي ذلك عن كعب الأحبار، وذكر أبو بكر الواسطي عن نافع قال: قال لي ابن عمر: اخرج بنا من هذا المسجد فإن السيئات تضاعف فيه كما تضاعف الحسنات. وذكر الزركشي عن كعب الأحبار أنه كان يأتي من حمص للصلاة فيه فإذا صار منه قدر ميل اشتغل بالذكر والتلاوة والعبادة حتى يخرج منه بقدر ميل، ويقول: السيئات تضاعف فيه.
الرابع: أنه يحذّر من اليمين الفاجرة فيه، وكذلك في المسجدين فإن عقوبتها عاجلة.
الخامس: يكره استقبال بيت المقدس واستدباره بالبول والغائط ولا يحرم. قاله الشيخ محي الدين النووي في الروضة.
السادس: ذهب الفقهاء إلى أن إقامة صلاة العيد في المصلى أولى منها في المسجد إلا في مسجد مكة. قال الرافعي: وألحق الصيدلاني به مسجد بيت المقدس.
السابع: استحباب الصيام فيه، فقد روي: (صوم يوم في بيت المقدس براءة من النار).
الثامن: قاله الزركشي في إعلام الساجد: لا يجوز الاجتهاد بمحراب بيت المقدس يمنة ولا يسرة، إلحاقاً له بمسجد المدينة.