تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وثالثهم: العلامة اللغوي عبدالسلام محمد هارون (1909م - 1989م)، الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، والحائز على جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي عام1981م.

بَيْد أن السيد أحمد صقر من بين هؤلاء لا تكاد تجد له ذكرًا في كتاب، أو شكرًا في خطاب، خلا شذرات منَ الثناء عليه، تجد صداها عند الخاصة من أرباب المحاضَرة، وأصحاب المذاكرة.

ولعلَّ من أسباب ذلك تلك العزلة التي ضربها على نفسه عدة سنين، وتلك الصفات التي لازمته منَ الصرامة، والجفوة، وحدة الطبع، والاعتداد بالنفس، وهي التي كانت طبيعيَّة لرجل يريد أن يثبت لأقرانه الدكاترة: أن التفوق والنبوغ بالجدِّ والبحث، وأن الدرجة الجامعية وحدها لا تُنْفَق في سوق العلم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى: قلة إنتاجه العلمي مقارنة بأولئك، وعدم تكامُله، وعدم خوضه مجال التأليف الحر، حيث لم يخلف السيد أحمد صقر - طوال حياته في التحقيق الذي بدأه وهو في شرخ الشباب [2]- سوى ستة عشر تحقيقًا من ذوات المجلَّد الواحد، ثلاثة منها بالاشتراك، وخمسة منها ناقصة، لم يخرج منها سوى جزء واحد فقط، حتى انتقد بعضهم صنيع الدكتور الطناحي، في قرن السيد أحمد صقر بمن تَقَدَّم ذكرهم من أعلام تحقيق التراث ونشره، وعدُّوه ضربًا منَ الُمجامَلة كفاء ما لقيه السيد أحمد صقر منَ التجاهُل في حياته.

إلا أن الدكتور محمود الطناحي - برَّد الله مضجعه - رأى أن علم العالم لا يقاس بكثرة إنتاجه العلمي، أو شهرته، أو منصبه، ورتبته؛ بل أصحر بقول لا يدفعه دافع، وهو أن السيد أحمد صقر: "من أقدر الناس على تقديم كتاب، وتقويم نصٍّ، وتوثيق نقل، وتخريج شاهد، واستقصاء خبر، ثم إن له من وراء ذلك كله علمًا جامعًا بالمكتبة العربية، وإدراكًا للعلائق بين الكُتُب"، ومن قبله أستاذهم جميعًا المُحَدِّث أحمد شاكر، حين قال: "إن له مدى مديدًا في الاطِّلاع والتقَصِّي، ونفذات صادقة في الدقائق والمعضلات، يندر أن توجد في أنداده؛ بل في كثير مِن شيوخه وأساتذته".

نعم، إن كل قارئ لآثار السيد أحمد صقر - ناهيكَ عن رجل لابسه وعرف دخائله مثل الدكتور محمود الطناحي - لا يملك إلاَّ أن يشعرَ نحوها بالإجلال والإكبار، ولصاحبها بالموَدَّة والتقدير، ولعلمه بالتواضع والخُضُوع؛ إذ كان منَ المحقِّقينَ القلائل، الذين لا يتوارَون خلف نصوصهم المحقَّقة؛ بل يطالعك بشخصه، ويواجهك برأيه من دون تزيد أو إملال، إن في مقدماته الفذَّة للكتب التي تولَّى تحقيقها، التي تبين قيمة الكتاب، وتشرح فكرته، وتكشف حقيقته، والتي امتازت بغزارة المادة، وعمق الفكرة، ودقَّة الاستنباط، وروعة البيان، وظهرت فيها شخصيته واضحة المعالِم، بيّنة القسمات، والتي تحمل في أطوائها الكثير منَ الجدة والإبداع، والأفكار والآراء، والتي حوت من خبايا العلوم وكنوز المسائل ما أدهش كل مطَّلع؛ ناهيك عن أسلوبها الجزل المشرق الرصين، أو في تعليقاته النفيسة التي نتجتْ عن طول التأمُّل، وحسن التأنِّي، أو في مقالاته النقدية المتقنة في المجلات والدوريات لطائفة من كُتُب الأدب والتُّراث، التي أبانتْ عن قدرة فذَّة في اكتشاف الأوهام والتصحيفات، وموهبة عجيبة في استكناه المعاني المغلَقة، وحل الألفاظ المستعصية، بل إن بعض تلك المقالات أشبه بإعادة لتحقيق الكتاب المنقود، ومنَ الطريف أن أول مقالة كتبها - وهو في المرحلة الثانوية - كانت نقدًا لديوان النابغة الشيباني باعتناء الشاعر المطبوع أحمد نسيم، وفي الوقت نفسه كانت كشفًا لفضائح القس لويس شيخو، صاحب كتاب "شعراء النصرانية بعد الإسلام"، حين جعل النابغة من شعراء النصرانية، فكتب السيد صقر عشر مقالات نقدية، كانت محلَّ إعجاب مشرفي مجلة الهداية الإسلامية الغراء.

أَنَا الشَّمْسُ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مُنِيرَةً وَلَكِنَّ عَيْبِي أَنَّ مَطْلَعِيَ الغَرْبُ

وَإِنَّ مَكَانًا ضَاقَ عَنَّي لَضَيِّقٌ عَلَى أَنَّهُ فَيْحٌ مَذَاهِبُهُ سُهْبُ

وَإِنَّ رِجَالاً ضَيَّعُونِي لَضُيَّعٌ وَإِنَّ زَمَانًا لَمْ أَنَلْ خِصْبَهُ جَدْبُ

هُنَالِكَ تَدْرِي أَنَّ لِلبُعْدِ قِصَّةً وَأَنَّ كَسَادَ العِلْمِ آفَتُهُ القُرْبُ

اسمه ومولده:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير