فقال أحدهم: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا فقال الآخر: إن سمع بعضه سمع كله فأنزل الله عز وجل: ? وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ* وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ? فصلت-23
فجاء التوكيد في قوله: إنه هو السميع العليم في سياق هذا الإنكار: أي هو وحده الذي له كمال قوة السمع وإحاطة العلم لا كما يظن به الجاهلون أنه لا يسمع إن أخفوا وأنه لا يعلم كثيرا مما يعملون ..
وأيضا فإن السياق هاهنا لإثبات صفات كماله وأدلة ثبوتها وآيات ربوبيته وشواهد توحيده .. فأتى بأداة التعريف الدالة على أن من أسمائه السميع العليم كما جاءت الأسماء الحسنى كلها معرفة.
وما جاء بلفظ: سميع عليم: جاء في سياق وعيد المشركين وإخوانهم من الشياطين ووعد المستعيذ بأن له ربا يسمع ويعلم وآلهة المشركين التي عبدوها من دونه ليس لهم أعين يبصرون بها ولا آذان يسمعون بها فإنه سميع عليم وآلهتهم لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم فكيف تسوونها به في العبادة فعلمت أنه لا يليق بهذا السياق غير التنكير كما لا يليق بذلك غير التعريف. والله أعلم بأسرار كلامه.
4 - من الشيطان الرجيم:
الشيطان في لغة العرب مشتق من شطن إذا بعد فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر وبعيد بفسقه عن كل خير ..
وقيل مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار ومنهم من يقول كلاهما صحيح في المعنى ولكن الأول أصح وعليه يدل كلام العرب ..
قال أمية بن أبي الصلت في ذكر ما أوتي سليمان عليه السلام:
أيما شاطٍ عصاه عكاه ثم يلقى في السجن والأغلال.
فقال أيما شاطٍ ولم يقل أيما شائط، وقال النابغة الذبياني:
نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت والفؤاد بها رهين.
يقول: بعدت بها طريق بعيدة.
وقال سيبويه: العرب تقول تشيطن فلان إذا فَعل فِعل الشياطين ولو كان من شاط لقالوا تشيط فالشيطان مشتق من البعد على الصحيح ولهذا يسمون كل من تمرد من جني وإنسي وحيوان شيطاناً.
قال الله تعالى: ? وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ? الأنعام-112
وروي في المسند عن أبي ذر رضي الله عنه قال، قال رسول الله ?: يا أبا ذر تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن! فقلت: أو للإنس شياطين؟ قال: نعم. [رواه أحمد 5/ 178 وفيه عبيد بن الخشخاش وثقه ابن حبان ولينه بعضهم]
الرجيم: فعيل بمعنى مفعول أي أنه مرجوم مطرود عن الخير كما قال تعالى: ? وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ?
وقيل: رجيم بمعنى راجم لأنه يرجم بالوساوس. والأول أشهر وأصح.
• فائدة:
ويلاحظ أنه لم يستعذ بشيطان من الشياطين وإنما استعاذ بالشيطان الأكبر بدليل وصفه بالرجيم وهي نص في الشيطان صاحب القصة مع نبي الله آدم عليه السلام فأفاد هذا الاستعاذة من الجنة عموما وشياطين الإنس والجن لأنهم تبع لوليهم الأكبر إبليس.
5 - همزه ونفخه ونفثه:
وقد جاء في آخر الحديث من تفسير النبي ? عند أحمد ومن تفسير عمرو بن مرة راوي الحديث عند ابن ماجة أن همزه: المؤتة (وهي الخنقة التي تأتي للمجنون والمصروع) ونفخه: الكبر، ونفثه: الشعر.
وقال تعالى: ? وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ? المؤمنون-97
والهمزات: جمع همزة كتمرات وتمرة وأصل الهمز الدفع ..
قال أبو عبيد عن الكسائي: همزته ولمزته ولهزته ونهزته إذا دفعته ..
والتحقيق: أنه دفع بنخز وغمز يشبه الطعن فهو دفع خاص ..
فهمزات الشياطين: دفعهم الوساوس والإغواء إلى القلب ..
قال ابن عباس والحسن: نزغاتهم ووساوسهم. وفسرت همزاتهم بنفخهم ونفثهم وهذا قول مجاهد وفسرت بخنقهم وهو الموتة التي تشبه الجنون ..
وظاهر الحديث أن الهمز نوع غير النفخ والنفث وقد يقال وهو الأظهر أن همزات الشياطين إذا أفردت دخل فيها جميع إصاباتهم لابن آدم وإذا قرنت بالنفخ والنفث كانت نوعا خاصا كنظائر ذلك.
¥