فمتى نص الشارع على مسألة ووصفها بوصف أو استنبط العلماء أنه شرعها لذلك الوصف، ثم وجد ذلك الوصف في مسألة أخرى لم ينص الشارع على عينها، من غير فرق بينها وبين المنصوص، وجب إلحاقها بها في في حكمها؛
لأن الشارع حكيم لا يفرق بين المتمثلات فى أوصافها، كما لا يجمع بين المختلفات.
وهذا القياس الصحيح هو الميزان الذي أنزله الله، وهو متضمن للعدل، وما يعرف به العدل.
والقياس إنما يعدل إليه وحده إذا فقد النص، فهو أصل يرجع إليه إذا تعذر غيره.
وهو مؤيد للنص، فجميع ما نص الشارع على حكمه فهو موافق للقياس لا مخالف له.
فصل أصول مستنبطة من الكتاب والسنة
وأخَذ الأصوليون من الكتاب والسنة أصولاً كثيرة، بنوا عليها أحكاماً كثيرة جداً، ونفعوا وانتفعوا بها.
?…فمنها (اليقين لا يزول بالشك).
أدخلوا فيه من العبادات والمعاملات والحقوق شيئاً كثيراً.
فمن حصل له الشك فى شي منها رجع إلى الأصل المتيقن.
وقالوا (الأصل الطهارة في كل شي والأصل الإباحة، إلا ما دل الدليل على نجاسته أو تحريمه)،
و (الأصل براءة الذمم من الواجبات ومن حقوق الخلق، حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك)،
و (الأصل بقاء ما اشتغلت به الذمم من حقوق الله وحقوق عباده، حتى يتيقن البراءة والأداء).
?…ومنها أن (المشقة تجلب التيسير).
وبنوا على هذا جميع رخص السفر، والتخفيفَ في العبادات والمعاملات وغيرها.
?…ومنها قولهم (لا واجب مع العجز، ولامحرم مع الضرورة).
فالشارع لم يوجب علينا ما لا نقدر عليه بالكلية.
وما أوجبه من الواجبات فعجز عنه العبد سقط عنه.
إذا قدر على بعضه وجب عليه ما يقدر عليه، وسقط عنه ما يعجز عنه، وأمثلتها كثيرة جداً.
وكذلك ما احتاج الخلق إليه لم يحرمه عليهم.
والخبائث التى حرمها إذا اضطر إليها العبد فلا أثم عليه،
فالضرورات تبيح المحظورات الراتبة، والمحظورات العارضة.
والضرورة تقدر بقدرها، تخفيفاً للشر،
فالضرورة تبيح المحرمات من المآكل والمشارب والملابس وغيرها.
?…ومنها (الأمور بمقاصدها).
فيدخل في ذلك العبادات والمعاملات.
وتحريم الحيل المحرمة مأخوذ من هذا الأصل.
وانصراف ألفاظ الكنايات والمحتملات إلى الصرائح من هذا الأصل، وصورها كثيرة جداً.
?…ومنها (يختار أعلى المصلحتين، ويرتكب أخف المفسدتين، عند التزاحم)
وعلى هذا الأصل الكبير ينبني مسائل كثيرة.
وعند التكافؤ، فـ (درء المفاسد أولى من جلب المصالح).
?…ومن ذلك قولهم (لاتتم الأحكام إلا بوجود شروطها وانتفاء موانعها).
وهذا أصل كبير بني عليه من مسائل الأحكام وغيرها شيء كبير.
فمتى فقد شرط العبادة أو المعاملة أو ثبوت الحقوق لم تصح ولم تثبت.
وكذلك إذا وجد مانعها لم تصح ولم تنفذ.
وشروط العبادات والمعاملات: كل ماتتوقف صحتها عليها.
ويعرف ذلك بالتتبع والاستقراء الشرعى.
وبأصل التتبع حصر الفقهاء فرائض العبادات وشروطها وواجباتها، وكذلك شروط المعاملات وموانعها.
والحصر إثبات الحكم فى المذكور، ونفيه عما عداه.
فيستفاد من حصر الفقهاء شروط الأشياء وأمورها أن ما عداها لا يثبت له الحكم المذكور.
?…ومن ذلك قولهم (الحكم يدور مع علته ثبوتاً وعدماً).
فالعلل التامة التي يعلم أن الشارع رتب عليها الأحكام، متى وجدت وجد الحكم، ومتى فقدت لم يثبت الحكم.
?…ومن ذلك قولهم (الأصل في العبادات الحظر إلا ما ورد عن الشارع تشريعه، والأصل في العادات الإباحة إلا ما ورد عن الشارع تحريمه).
لأن العبادة ما أمر به الشارع أمر إيجاب أو استحباب، فما خرج عن ذلك فليس بعبادة.
ولأن الله خلق لنا جميع ما على الأرض لننتفع به بجميع أنواع الانتفاعات، إلا ماحرمه الشارع علينا.
?…ومنها (إذا وجدت أسباب العبادات والحقوق ثبتت ووجبت، إلا إذا قارنها المانع).
?…ومنها (الواجبات تلزم المكلفين).
والتكليف يكون بالبلوغ والعقل.
والإتلافات تجب على المكلفين وغيرهم.
فمتى كان الإنسان بالغاً عاقلاً وجبت عليه العبادات التي وجوبها عام، ووجبت عليه العبادات الخاصة إذا اتصف بصفات من وجبت عليهم بأسبابها.
والناسي والجاهل غير مؤاخذين من جهة الإثم، لا من جهة الضمان في المتلفات.
فصل: قول الصحابي وحجيته
قول الصحابي - وهو من اجتمع بالنبي ? مؤمناً ومات على الإيمان -:
?…إذا اشتهر، ولم ينكر بل أقره الصحابة عليه، فهو إجماع.
¥