وصرع الجن للإنس هو لأسباب ثلاثة: تارة يكون الجني يحب المصروع ليتمتع به وهذا الصرع يكون أرفق من غيره وأسهل، وتارة يكون الإنسي آذاهم إذا بال عليهم أو صب عليهم ماء حارا أو يكون قتل بعضهم أو غير ذلك من أنواع الأذى هذا أشد الصرع وكثيرا ما يقتلون المصروع، وتارة يكون بطريق العبث به كما يعبث سفهاء الإنس بأبناء السبيل. اهـ
وإن لم يقع عندك كلام ابن تيمية موقعاً .. فسأنقل لك بعض كلمات مفسري القرآن .. وذلك تحت تفسير قوله تعالى: (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ) [الرحمن - 56]
وهذه الآية فيها دليل على ما ذهبنا إليه من ناحيتين:
الناحية الأولى: قدرة الجن على الطمث وهو الجماع بتدمية كما في لغة القرآن عند جميع المفسرين ..
وقال الزجاج كما في تفسير الإمام البغوي (4/ 275): فيه دليل على أن الجني يغشى كما يغشى الإنسي.
وقال الخازن في تفسيره (6/ 31): وفي الآية دليل على أن الجني يغشى كما يغشى الإنسي. اهـ
وقدرة الجن على الغشيان والجماع أمر متفق عليه لوجود الذرية منهم بنص القرءان.
الناحية الثانية: وذلك بأن الله تبارك وتعالى وصف الحور العين بأنه لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان: ويعلمك هذا أن نساء الآدميات قد يطمثهن الجان، وأن الحور العين قد برئن من هذا العيب ونُزِّهنَ. وهذا من ضمن كلام القرطبي كما سيأتي.
ويقول الدكتور الأشقر في عالم الجن والشياطين (ص31):
ومما يدل على وقوع التناكح بين الإنس والجن قوله تعالى (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ) فدلت الآية على صلاحيتهن للإنس والجن على حد سواء. اهـ
وقال ابن جرير في جامع البيان في تفسير الآية: فإن قال قائل: وهل يجامع النساء الجنّ؟ فيقال له قال الله تعالى: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ).اهـ يعني أن الآية دليل كافي في المسالة.
وقال ابن الجوزي في قوله تعالى: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ) فيه دليل على أن الجني يغشى المرأة كالإنس. اهـ واختاره البغوي في تفسيره (5/ 106) أعلاه ..
وذكرنا أثر مجاهد، ومع ضعفه فقد نقله أكثر المفسرين، وقال الإمام القرطبي في تفسيره (17/ 181): قد مضى القول .. وأنه جائز أن تطأ بنات بني آدم.
وفي قوله: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ} يعلمك أن نساء الدنيا [في الجنة] لم يطمثهن الجان. والحور العين قد برئن من ذلك العيب. اهـ بتصرف
وقال الألوسي- رحمه الله - في تفسيره (27/ 119): ونفي طمثهن عن الأنس ظاهر، وأما عن الجن فقال مجاهد والحسن: قد تجامع الجن نساء البشر مع أزواجهن إذا لم يذكر الزوج اسم الله تعالى، فنفى هنا جميع المجامعين، وقيل: لا حاجة إلى ذلك، إذ يكفي في نفي الطمث عن الجن إمكانه منهم، ولا شك في إمكان جماع الجنيِّ إنسيةً بدون أن يكون مع زوجها الغير الذاكر اسم الله تعالى. اهـ
وقال فخر الدين الرازي في تفسيره للآية (15/ 107): المسألة الثامنة: ما الفائدة في ذكر الجان مع أن الجان لا يجامع؟ نقول: ليس كذلك بل الجن لهم أولاد وذريات وإنما الخلاف في أنهم هل يواقعون الإنس أم لا؟ والمشهور أنهم يواقعون وإلا لما كان في الجنة أحساب ولا أنساب، فكأن مواقعة الإنس إياهن كمواقعة الجن من حيث الإشارة إلى نفيها. اهـ
وكلام المفسرين في هذه المسألة كثير نكتفي بما ذكرنا ..
وهنا فائدة في غاية الظهور ..
وهي الخلاف الموجود في كتب الفقه على هذه المسألة، فمن كره أو لم يجيز من العلماء النكاح بين الإنس والجن، فيه دليلٌ على إمكانه، لأن المستحيل والغير موجود أصلا لا يحكم عليه بجواز أو كراهة أو حرمة .. وهذا واضح جدا.
ويؤيد ما ذكر أعلاه، تلك الآثار التي ذكرناها:
منها ما في المصنف (7/ 410) لعبد الرزاق عن ابن عيينة عن عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه أن أبا موسى كتب إلى عمر في امرأة أتاها رجل وهي نائمة فقالت إن رجلا أتاني وأنا نائمة فوالله ما علمت حتى قذف في مثل شهاب النار، فكتب عمر تهامية تنومت قد يكون مثل هذا وأمر أن يدرأ عنها الحد.
وسنده حسن من أجل عاصم بن كليب وأبيه فإنهما صدوقان.
¥