تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والذي له عقل وعلم يعلم أن هذا ليس نبيا ولا صالحا، إما لما يراه منهم من مخالفة الشرع مثل أن يأمروه بما يخالف أمر الله ورسوله، وإما لأن النبي ما كان يأتي أحدا من أصحابه بعد موته في اليقظة، ولا كان يخاطبهم من قبره، فكيف يكون هذا له؟ (علما بأن الصحابة والتابعين لم يظهروا لأحد بعد وفاتهم فكيف يكون ذلك لمن هو أدنى منهم؟) وإما لأنه يعلم أن الميت لا يمكنه أن يقوم بعد دفنه وأنه إذاك يكون أمام حساب عسير في قبره، وأن روحه في الجنة أو في النار، لا تصير في الدنيا بهذه السهولة ...

ـ[ابو دعاء]ــــــــ[09 Jun 2009, 03:12 م]ـ

لو كان بإمكان الجن أن يتجسد في صورة إنسان لخربت الدنيا والدين، فما دام الجن بإمكانه أن يتشكل في صورة عالم من علماء الإسلام، كابن تيمية، وصدقه الناس كما صدقه ابن تيمية نفسه، وغيره من العلماء والأمراء، فلا يمنعه شيء من أن يظهر في أي صورة شاء ولأمكنه أن يفتي الناس فتاوى كاذبة ويألف كتبا مضلة (كيف لنا أن نتأكد أن كل فتاوى ابن تيمية هي من تأليفه وليست من تأليف جن يحبه أو شيطان يكرهه؟)، بإمكان الجن أيضا أن يدخل البيوت ويجامع النساء منتحلا صور الأزواج، وبإمكانه أن يسرق الأموال إذا تجسد في صورة مدير بنك، ويمكنه أن يعلن الحروب إذا تجسد بصورة أحد الرؤساء أو الجنرالات، ويمكنه أن يقتل المرضى لو انتحل صفة طبيب أو جراح، وأن يحكم على المظلومين بالإعدام إن تمثل قاضيا في محكمة ... فهذا خرق واسع لو صدقناه لفسدت حياتنا كلها ولأصبح الشيطان يفعل ما يريد، ويوقّع شروره بأسمائنا، وكلما حدثت جريمة من سرقة أو قتل أو اغتصاب ... إلا وادعى المجرم أن ذلك محض شيطان تجسد في صورته، وأنه بريء من كل ما نسب إليه، وإن حملت امرأة من سفاح ادعت أن جنيا جامعها رغما عنها وحملت منه ... سئل مالك بن أنس ? فقيل: إن ههنا رجلا من الجن يخطب إلينا جارية يزعم أنه يريد الحلال، فقال ما أرى بذلك بأسا في الدين، ولكن أكره إذا وجدت امرأة حاملا قيل لها من زوجك؟ قالت من الجن، فيكثر الفساد في الإسلام بذلك.

رسم العقل البشري صورة خارقة لقدرة الجن على التمثل والتصور، ثم تكفلت المخيلة الشعبية بالباقي فضخمت الصورة وعظّمتها، مع الزمن، وما أسهل أن يرد المتوهم كل ما يعجز عن تفسيره من أوهام، إلى جني أو شيطان، بالصورة التي بناها وهمه، وأقنع بها عقله، والواقع أن ذلك كله مجرد وساوس نفسية داخلية، أو هلوسات تحدث للشخص الضعيف الإيمان والعلم، الكثير الأوهام والهم، وأما أن ينتقل أحد من صورته على الحقيقة إلى غيرها، بفعل عمل جان لا مبضع جراح، فذلك محال ... والدين الإسلامي، وكل دين سماوي آخر، بريء من هذه الخرافات وأصحابها، لأنه دين منطق سليم، وتفكير علمي، وبرهان مبني على قوانين وأسس ثابتة دقيقة، يفوق بمبادئه وأفكاره وقوانينه كل المبادئ والقيم الأخرى التي وضعها الإنسان.

ساد الاعتقاد لدى كثير من علماء الإسلام، وهم جزء من مجتمع طبعا، في إمكانية تصور الجن والشياطين بصور الإنس، وقدرتهم على حمل الأشياء والأشخاص من مكان إلى آخر، والقيام بأمور خارقة مذهلة متعددة، إلى حد الإيمان بالتزاوج بين الإنس والجن ... كما اعتقد البعض في إمكانية تزاوج الملائكة والإنس، حيث روى الجاحظ، في كتاب "الحيوان"، أن أم ذي القرنين كانت من بنات آدم وأن أباه كان من الملائكة، بل ذكر اسم أبيه وهو "فيرى" واسم أمه وهو "غيرى"، وكأنه قد حضر مولده وعقيقته ... لقد اعتقد الرومان والإغريق، من قبل، في إمكانية التزاوج بين الآلهة والبشر والإنجاب منهم، وهو ما سموه أنصاف الآلهة، واليوم يدرس ذلك كله في الجامعات تحت يافطة الأسطورة ...

تمتلئ كتب الفقه والسير والتاريخ والأدب ... بمثل هذه القصص والروايات، نستنتج منها أن الذاكرة العربية الإسلامية شحنت، منذ قرون عديدة، بأفكار يبدو أن الخيال والجهل باللغة ومعاني الكلمات وبالأمراض العصبية والنفسية، بل والعضوية، لعب فيها دورا مهما، تراكمات ترسبت في الذاكرة الجماعية العربية الإسلامية عبر السنين مما جعل قضية كقضية "الجن والشياطين" صعبة المنال ...

قصص كثيرة إذن رويت عن الجن وأشكالها، وظهورها وتلبسها، وزواجها بالإنس وسكناها له ... منها ما صور الجن بشرا بمملكة من سادة وعبيد، ومنها ما ذكر بأن لها وطنا كالهند وديانة كالبوذية، ومنها ما أخرجها، من رحم حلم شتوي بارد في إحدى المغارات المظلمة، جنية حسناء عشقته فتزوجها وأنجب منها الحالم الرائي، ومنها ما جسدها في كلب أسود أو حية بيضاء أو سوداء، ومنها ما أخرجها "غولا" وحشية تسطو على الزرع وتهلك الضرع، أو "سعلاة" واقفة إلى جنب واد أو فلاة، والبعض ذكر بأنها كالريح أو الكهرباء، والبعض الآخر ذكر أنها تبيض وتفرخ، والبعض عالج مرضى تلبستها الجن، فكلمها وكلمته، وكاتبها وكاتبته، ورآها نهارا جهارا في أوصاف وأشكال شتى، لا يعلمها إلا هو، ثم استخدمها وسخرها ...

بالمقابل في السنين الأخيرة لم تعد رؤية الجن ممكنة، فلا أحد من العلماء يدعي اليوم أنه رآى رجلا يطير في الهواء أو يسير فوق الماء دون استعمال آلة تمكنه من ذلك، ولم نعد نسمع قصصا عن تزوج الإنس بالجن والإنجاب منهم ولم يبق، عند العديد من علماء هذا العصر، إلا تلبس الجن بالإنس واستطاعة تكلم الإنسي المصروع بلسان الجني، وهي القصص التي يذكرها المتأخرون، لكن ينكرها العديد من علماء العصر، وتبقى حولها العديد من الاستفهامات ...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير