وروى (المقدمة-18) عن ابن طاووس عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنا.
وفي حديث قصة الدجال من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
وإن من فتنته – أي الدجال الأعور الكذاب - أن يقول للأعرابي أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربك.
رواه ابن ماجة (4077) والحاكم (8620) وصححه على شرط مسلم والطبراني (7644) وصححه الألباني في صحيح الجامع 7875 وفي قصة المسيح الدجال.
أرجو أن تجمع الأدلة كلها وتنقدها جملة، ولا تختار بعضها وتترك البعض ..
وقد نقلت لك كلام العلماء القدامي وتفسيرهم لهذه الأحاديث .. فإن أبيت فخذ هؤلاء:
قال حفيد شيخ الإسلام الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب في الإيمان والرد على أهل البدع (1/ 73): والجن يتصورون بصور شتى، وحيات البيوت قد تكون جنا فتؤذن ثلاثا، فإن ذهبت وإلا قتلت؛ لأنها إن كانت حية أصلية قتلت، وإن كانت جنية، فقد أصرت على العدوان بظهورها للإنس في صورة حية تفزعهم بذلك. اهـ
وفال الشيخ ابن عثيمين في شرح العقيدة السفارينية (1/ 399):
والجن: (عالمٌ غيبي مستترون عن الأعين)، وقد يبدون أحياناً وقد يتصورون بشكل حيوانات، كما تشكل الجني في فراش الأنصاري في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في شكل حية .. إذن الجن هم عالم غيبي مستترٌ عن الأعين، وقد يبدون أحياناً في صور حيوان أو نحو ذلك. اهـ
وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (1/ 337):
{مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} فهم يروننا ونحن لا نراهم، وقد يتصوّرون بصور متشكّلة، ويتصوّرون بصور حيّات، وبصور حيوانات، وبصور آدميين، أعطاهم الله القُدرة على ذلك، وهم عالم مخلوق من نار، والإنس خُلقوا من الطين .. فالحاصل؛ أن الجن عالم خفي، لا نراهم، وهم يعيشون معنا، وهم مكلّفون كما كُلِّفنا بالأوامر والنواهي. اهـ
وسئل فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين عن إمكانية رؤية الجن على خلقتهم التي خلقوا عليها؟ فأجاب حفظه الله بقوله:
الجن .. لهم قدرة بإذن الله على التشكل والظهور بصور مختلفة، فتارة في صورة شيخ كبير وتارة في صورة شاب مكتمل وتارة في صورة بهيمة أو طير أو حشرة، ويكون لهم أجساد محسوسة في تلك التشكلات وقد يطلع الله بعض الناس على بعضهم فيراهم وحده دون من حوله .. فكذلك خلق الجن قد يكون بعض من يخدمهم أو يتقرب إليهم من السحرة والكهنة يراهم دون من حوله من الناس وقد يبرزون لبعض الصالحين أحيانا والله أعلم.
راجع كتاب المنهج اليقين في بيان أخطاء معالجي الصرع والسحر والعين (ص 247).
وسأنقل لك فائدة جاءت في موسوعة الشيطان (1/ 48) قال المؤلف الفقير إلى الله:
وفي تشكل الجان أو الشيطان أمور ثلاثة:
الأولى: أن التشكل ليس متاحا لكل جني أن يعمله أو يقدر عليه، فالغالب والله أعلم أن المارد وهو العاتي كثير الشر من الشياطين يستطيعه، ويشهد له كلام الجني مع أبي بن كعب وقوله: لقد علمت الجن ما فيهم أشد مني.
الثانية: ما جاء في الأثر عن أمير المؤمنين عمر أن لهم سحرة كسحرة الإنس تساعدهم في هذا التشكل كما مر وذكرنا .. فبان بهذين الأمرين أن التصور ليس لكل أحد وأن من يفعله لا يفعله بنفسه وإنما بمساعدة السحرة من الجن.
الثالثة: أن الجني أو الشيطان عندما يتشكل في صورة إنسان أو حيوان يأخذ نفس قانون المتشكل به من قوة أو ضعف، أو سرعة وبطء الحركة، ولذلك يسهل القبض عليه أو ضربه أو قتله كما في كثير من الأحاديث المشهورة في هذا الباب. والله أعلم.
ولعل هذا يريحك من الافتراضات الكثيرة التي تثيرها ..
وأنا رأيت منك ظهور إنكارك تلبس الجن بالإنسان والنطق على لسانه ..
ولأن الموضوع كبير وأدلته كثيرة أكتفي فقط بما في الصحيحين من حديث صفية أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
وبفهم العلماء الكبار لا فهمي أنا ..
قال ابن حجر الهيثمي: وبه يرد على من أنكر سلوكه في بدن الإنسان كالمعتزلة.
¥