الأول: قصة تمثل وتشكل إبليس في صورة شيخ نجدي .. وأنا كنت توقفت عنها فترة لدراستها دراسة وافية من ناحية الثبوت من عدمه .. وكانت النتيجة أن هذه القصة على أقل تقدير سندها حسن إن لم تكن صحيحة بمجموع طرقها واليكم التخريج:
القصة جاءت عن ابن عباس رواها ابن إسحاق في السيرة (2/ 304) وابن جرير في التفسير (13/ 494) وابن أبي حاتم في تفسيره (رقم: 8994) والبيهقي (2/ 468) وأبو نعيم كلاهما في الدلائل (1/ 257) ورواه أحمد (1/ 348) والطبراني في المعجم الكبير (11/ 407) والحاكم (3/ 4) مختصرا وصححه ووافقه الذهبي وعبد الرزاق في التفسير (رقم: 1011) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن عثمان الجزري، عن مقسم مولى ابن عباس، عن ابن عباس به
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 30): رواه أحمد والطبراني وفيه عثمان ابن عمرو الجزري وثقه ابن حبان وضعفه غيره. وبقية رجاله رجال الصحيح.
وحسن ابن حجر في الفتح (7/ 236 و8/ 307) رواية مقسم مولى ابن عباس عنه به مختصرا ..
وذكر هذه الرواية ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 221) وقال: وهذا إسناد حسن.
ورويت القصة مرسلة من رواية الزهري وعروة بن الزبير عند ابن جرير والبيهقي بسند صحيح إليهما وعن معاوية بن قرة وغيره من التابعين.
فبهذه الأسانيد والمرسلات يحسن سند القصة تماشيا مع قواعد مصطلح الحديث إن لم نقل بتصحيحها، بالإضافة إلى شهرتها وتواترها عن أهل السير والمغازي وكذلك كثير من المفسرين عند تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ} الأنفال-30
كما أقرها ابن كثير في تفسيره (4/ 44) وقال: وكذا روى العَوْفي عن ابن عباس. وروي عن مجاهد والسدي، وعُرْوة بن الزبير، وموسى بن عُقْبَة، وقتادة، ومِقْسَم، وغير واحد، نحو ذلك.
وقال البغوي في تفسيره (3/ 349): وكان هذا المكر على ما ذكره ابن عباس وغيره من أهل التفسير .. فذكره. والجمهور على ذلك بلا منازعة .. ولا أريد أن أنقل جميع الآراء ..
وأما قصة تصور الشيطان في صورة سراقة، فقد نقلت لكم الآثار عن الصحابة والتابعين في هذا ونقلت تقرير جمع من المفسرين والمؤرخين وأصحاب السير والمغازي، ويقال عن هذا الجمع: الجمهور .. يعني هذا رأي الجمهور ..
فان كان لكم تحقيق حديثي حول هذه الآثار فانقلوه لنا شاكرين ..
وان كان عندكم رأي مخالف لأئمة مثل هؤلاء أو عشرهم فأتحفونا برأيهم مأجورين ..
وإلا فاتهموا عقولكم .. ولا تقرروا ما قررتموه إلا من خلال الروايات حسب النقد العلمي.
ثانيا: جمهور المعتزلة يتشبثون بهذه الفرية التي تقول (هذا من زعمات العرب)!!
فالزعم مثلا بأن تخبط الشيطان للإنسان من زعمات العرب، وأن الشيطان يتشكل، وأن القرآن الكريم قد حكى ما كانوا يعتقدون!!
فالجواب عن هذه الدعوى الباطلة في نفسها: أن قولهم هذا من زعمات العرب دعوى بلا دليل أو برهان مؤيد، وقد ندد الله بما كانت عليه العرب من باطل وضلال، فلو كانت هذه المسألة من هذا القبيل وأقرها القرآن فهي أكبر دليل على وجودها حقيقة.
فأنتم تتهمون القرآن في إقراره الباطل والخرافة ولا يعقب عليه .. وهذا ليس مذهب أهل الملة ..
بل هو ضلالات المعتزلة التي نسجوها وفق قواعدهم التي بمقتضاها يؤولون القرآن الكريم على غير ظاهره، وظواهر النصوص من القرآن الكريم، والسنة النبوية تؤكد أن هذه تبقى على حقائقها واقعة كما أخبر الشرع.
وقد رد العلماء المحققين على هذه الشبهة ردا يقطع دابرها ..
يقول الإمام أحمد بن المنير في الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال وهو حاشية على تفسير الكشاف للزمخشري (1/ 164 - 165):
وهذا القول على الحقيقة من تخبط الشيطان بالقدرية في زعماتهم المردودة بقواطع الشرع، وذكر رحمه الله تعالى أحاديث نبوية تفيد أذية الجن للإنسان، ثم قال: " واعتقاد السلف وأهل السنة أن هذه أمور على حقائقها واقعة كما أخبر الشرع عنها. وإنما القدرية خصماء العلانية، فلا جرم أنهم ينكرون كثيراً مما يزعمون مخالفاً لقواعدهم من ذلك السحر، وخبطة الشيطان، ومعظم أحوال الجن، فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون. اهـ
وذكره وأقره القاسمي في تفسيره محاسن التأويل 3/ 710
¥