وهذا مصداقا لقوله تعالى "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " (53) فُصلت
2 -
أورد البخاري عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله وعليه وسلم قال: إذا استجنح الليل، أو: كان جنح الليل، فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم، وأغلق بابك واذكر اسم الله، وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله، وأوك سقاءك واذكر اسم الله، وخمر إناءك واذكر اسم الله، ولو تعرض عليه شيئا. أخرجه مسلم في الأشربة، باب: الأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء.
لم يكتف الشارع أن يأمرنا بذكر اسم الله بل أضاف أفعالا مادية يجب على المسلم القيام بها كإغلاق الباب وإطفاء المصباح وشد وكاء السقاء وتخمير الإناء ولو بأبسط الأشياء.
وفي صحيح مسلم عن أبي حميد الساعدي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن من النقيع ليس مخمرا فقال: ألا خمرته ولو تعرض عليه عودا!
وعن جابر بن عبد الله قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسقى. فقال رجل: يا رسول الله! ألا نسقيك النبيذ؟ فقال (بلى) قال فخرج الرجل يسعى. فجاء بقدح فيه نبيذ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا خمرته ولو تعرض عليه عودا!
نلاحظ ضرورة القيام بفعل مادي + ذكر اسم الله
لماذا نغطي الأكل والشراب؟
الأحاديث تخبرنا أن الجن والشياطين تأكل وتشرب منه:
وهذا ما يوضحه الحديث الصحيح الذي رواه جابر عن رسول الله أنه قال: «غطوا الإناء وأوكوا السقاء وأغلقوا الباب وأطفئوا السراج فإن الشيطان لا يحل سقاء ولا يفتح بابا ولا يكشف إناء، فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا ويذكر اسم الله فليفعل ... ». (صحيح مسلم كتاب الأشربة)
والعلم يثبت أن الأكل الغير مغطى هو عرضة للميكروبات تتغذى به وتفسده
3 -
قصة سيدنا أيوب ومس الشيطان له (فسرنا قبل هذا أن المس قد يعني مس الكائنات المجهرية حينما تحدثنا عن المولود وعن صراخه وعن تحنيكه بالتمر واللعاب):
سوف أذكر بعض ما قاله المفسرين حتى لا نتهم أننا لا نأخذ بكلماء العلماء والمفسرين وأننا نعمل العقل دون النقل:
يرى ابن كثير أن الله تبارك وتعالى يذكر عبده أيوب وما كان ابتلاه به من الضر في بدنه وماله وولده، حتى لم يبق من جسده مغرز إبرة سليماً سوى قلبه، ولم يبق له من الدنيا شيء يستعين به على مرضه وما هو فيه.
ويردّ السعدي سبب مرض أيوب إلى نفخ الشيطان فيقول: "أني مسني الشيطان بنصب وعذاب" أي: بأمر مشق متعب معذب، وكان سلط على جسده فنفخ فيه، حتى تقرح، ثم تقيح بعد ذلك، ويضيف في مكان آخر: وذلك أن الشيطان سلط على جسده، ابتلاء من الله، وامتحانا فنفخ في جسده، فتقرح قروحا عظيمة ومكث مدة طويلة، واشتد به البلاء ... (أنظر تفسير السعدي)
وللمختار الشنقيطي (راجع أضواء البيان) رأي، لا يبتعد على ماذكرنا وإن كان يفسره، حيث ذكر أن أيوب نسب ما أصابه إلى الشيطان، ويمكن أن يكون سلطه الله على جسده وماله وأهله ابتلاء ليظهر صبره الجميل ... وهذا لا ينافي أن الشيطان لا سلطان له على مثل أيوب، لأن التسليط على الأهل والمال والجسد من جنس الأسباب التي تنشأ عنها الأعراض البشرية كالمرض، وذلك يقع للأنبياء، فإنهم يصيبهم المرض، وموت الأهل وهلاك المال لأسباب متنوعة، ولا مانع أن يكون من جملة تلك الأسباب تسليط الشيطان على ذلك للابتلاء، وقد أوضحنا، يقول الشنقيطي، جواز وقوع الأمراض والتأثيرات البشرية على الأنبياء في سورة طه.
يضيف الأستاذ ولي زار بن شاهز الدين: الذي تطمئن إليه النفس أنه لا مانع أن يكون للشيطان تأثير على جسم أيوب فيصاب بالمرض، مع أن ذلك إنما يكون بقدر من الله لحكمة أرادها ... وما أصاب أيوب عندئذ من المرض بفعل الشيطان - كما هو ظاهر القرآن - لا يتعارض مع عصمة الأنبياء، لأن عصمة الأنبياء من الشيطان إنما تكون باستبعاد تسلطه على عقولهم وقلوبهم بشتى أنواع الوساوس والغواية، فهذا هو ما عصم الله أنبياءه منه ... (عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة – ص 323)
¥