تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعن جابر بن عبد الله قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسقى. فقال رجل: يا رسول الله! ألا نسقيك النبيذ؟ فقال (بلى) قال فخرج الرجل يسعى. فجاء بقدح فيه نبيذ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا خمرته ولو تعرض عليه عودا!

في حديث رواه مسلم، ربط رسول الله صلى الله عليه وسلم تغطية الآنية وإيكاء قرب الماء بالأوبئة، بلغة عصرنا بالجراثيم التي تؤدي إلى ظهور الأوبئة وانتشارها، حيث قال عليه السلام:غطوا الإناء وأوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء.

الإعجاز العلمي واضح من خلال الحديث، الذي يجعل النبي صلى الله عليه وسلم أول من وضع قواعد حفظ الصحة بالاحتراز من عدوى الأوبئة والأمراض المعدية، وأشار إلى أهم الطرق للوقاية منها عندما قال، فضلا عما سبق: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده" رواه مسلم.

وحفظا للماء من التلوث نهى صلى الله عليه وسلم عن الشرب مباشرة من فم القنينة أو الإناء أو السقاء، فقد روى البخاري عن ابن عباس قوله: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرب من في السقاء، وقد أورد الجزري (ابن الاثير الجزري، النهاية، ج 1، ص 230 مادّة (ثلم).): أنه، صلى الله عليه وسلم، نَهى عن الشرب من ثلمة القدح، أي موضع الكسر فيه، وقيل: لأنّ موضعها لا يناله التنظيف التامّ إذا غُسل الإناء، وقد جاء في لفظ الحديث أنّه «مقعد للشيطان»، كما أمرنا المصطفى أن نحافظ على الماء الراكد، ونهى عن التبول فيه وقاية له من التلوث، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه" متفق عليه.

وعن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه أو يتوضأ فإن عامة الوسواس منه» رواه أبو داود في سننه عن ابن حنبل، ويزكي حديث آخر يقول: "إذا بال أحدكم فلا يمسّ ذكره بيمينه، وإذا أتى الخلاء فلا يتمسّح بيمينه، وإذا شرب فلا يشرب نفسا واحداً"، مما يؤكد ضرورة توفير الشروط المادية للوقاية من الأمراض (الجراثيم/الجن) فضلا عن الشروط المعنوية وعلى رأسها التعوذ من الخبث والخبائث.

تتكاثر الميكروبات في الأكل غير المغطى: إذا ترك الأكل عاريا في الهواء، يقول خبراء التغذية، فإن البكتيريا تسارع للهجوم عليه وافتراسه، لذلك يحتفظ الإنسان عادة بأكله في الثلاجات والأماكن المغطاة، ذلك أنه من السهل أن يتحول طعامنا من مصدر للطاقة والحيوية إلى مصدر للمشاكل الصحية إذا ما اتصلت به جراثيم التسمم، التي تعيش بيننا بشكل طبيعي، وتجد طريقها لغذائنا إما بسبب تداولنا الخاطئ أو بسبب إهمالنا لشروط الوقاية.

والمسلم، قبل غيره، يفترض فيه أن يتقن شروط وقايته من الأمراض (الجراثيم/ الشياطين) بدءا بالبسملة وانتهاء بتوفير الشروط المادية التي نصت عليها أحاديث سيد المرسلين، والتي توفر دعوة/تحد للعلماء للقيام بتجارب مخبرية لإعطائنا البرهان المادي على هذه الحقائق الإلهية.

من هذه الحقائق، على سبيل العد لا الحصر، أن الإسلام نهى المستيقظ من النوم عن إدخال يده في الإناء قبل أن يغسلها ويطهرها، فلعله مس أو حك بها سوءته أو عضواً مريضاً متقرحاً من جسمه وهو نائم، ونحن نعلم أن هذه المواضع تعتبر بؤرا للجراثيم والميكروبات.

كما أن تعاقب العديد من الناس للشرب مباشرة من فم القنينة يجعلهم عرضة للإصابة بالجراثيم التي تنتقل عبر اللعاب إلى فم القنينة، ومعروف أن اللعاب، كما يخبرنا المختصون، يحتوي على حوالي مائة مليون جرثومة/ملم مما يهدد، في حالة انتقال جزء منها، بتلوث الماء ويتحول بالتالي إلى خطر يتهدد من يشرب منه بعد ذلك.

يأمرنا الطب الوقائي أيضا أن نحافظ على الماء الراكد، إن نحن أردنا استعماله، لأنه يعتبر بيئةً خصبة لتكاثر الجراثيم المسببة للأمراض كالكوليرا والسالمونيلا والشيجلا وغيرها ... كما تحتاج بعض الطفيليات الأولية والديدان كالزحام الأميبي والديدان المستديرة والبلهارسيا إلى الماء لإكمال دورة حياتها خارج جسم الإنسان، ويساعد التبول والتبرز على نمو هذه الطفيليات والديدان وسرعة تكاثرها وانتشارها.

لقد تبين أن الأمراض المعدية تسري في مواسم معينة من السنة، بل إن بعضها يظهر كل عدد معين من السنوات، وحسب نظام دقيق لا يعرف تعليله حتى الآن، ومن أمثلة ذلك: أن الحصبة، وشلل الأطفال، تكثر في سبتمبر وأكتوبر، والتيفويد يكثر في الصيف أما الكوليرا فإنها تأخذ دورة كل سبع سنوات. والجذري كل ثلاث سنوات ...

ومن الحقائق العلمية التي لم تكن معروفة قبل اكتشاف الميكروسكوب، أن بعض الأمراض المعدية تنتقل بالرذاذ عن طريق الجو المحمل بالغبار، وأن الميكروب يتعلق بذرات الغبار عندما تحملها الريح وتصل بذلك من المريض إلى السليم ... ويعتبر البول والغائط من أهم مصادر الجراثيم، وهو ما أثبتته إحدى الدراسات التي أنجزتها كلية الطب بجامعة مانشيستر، وخلصت إلى أن البكتريا تنفذ من ثماني طبقات من الورق الصحي إلى اليد، وتلوثها أثناء عملية التخلص من بقايا البراز، وقد ندرك حجم الخطر إذا علمنا أن الغرام الواحد من البراز في الشخص السليم، يحتوي على مائة ألف جرثومة، وفي المصاب بالتيفويد يحتوي الغرام الواحد على خمس وأربعين مليوناً من بكتريا التيفويد، أما في مريض الدزنتاريا أو الكوليرا فمن المستحيل إحصاء أعداد الجراثيم لكثرتها الهائلة ... ولعلنا بهذا نقف بالضبط على مغزى تحذير الإسلام، في أكثر من مناسبة، من البول والغائط، وربطهما، في أكثر من مناسبة أيضا، بالشياطين/الجراثيم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير