رواه الطبراني في المعجم الكبير (10/ 279) وأبي نعيم في دلائل النبوة (1/ 196) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 258) رجاله ثقات. قلت: فيه ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث وأصله في الصحيحين.
والثاني: هل تنكر الحديث أن الشيطان يطعن الصبي بإصبعيه عند ولادته فيسبب له الألم فيبكي. وهو حديث صحيح متفق عليه وله ألفاظ كثيرة؟
والثانية: نقلك عن السعدي أن هذا من خصائص النبي سليمان - عليه السلام – وهذا يوهم أن الشياطين في حقيقة أمرها لا تستطيع العمل، وهذا غير وارد بالمرة على لسان أي مفسر أو عالم ..
فالمراد أن هذا التسخير للشياطين والجن لا ينبغي لأحد بعد نبي الله سليمان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لولا دعوة أخي سليمان) ومن فهم غير هذا فقد أبعد النجعة وقال بما لم يقله أحد ..
يوضحه لك: أن الريح التي سخرت له في حقيقتها تجرى وتعصف، لكنها كانت مطيعة له بأمر الله خصوصية من رب العباد .. وكذلك الطير لداود والجبال تسبح حقيقة، ولكن مع داود يسمع تسبيحها جهرة ..
فأنت لبست بهذا الفهم على القاريء، فأدخلت مسألة في مسألة، وهما ظاهرتان للعوام فضلا عن العلماء، لتنصر رأيك الموافق ولو بالتأويل والرد لظاهر النص.
فنحن نتفق أن هذا خصوصية لنبي الله سليمان، ولكن من قال بأن الشياطين لا تستطيع أن تفعل هذه الأفعال؟ أنت!!
ثم ذكرت الآيات، ولا يسعني أن أعلق عليها كلها ولكن سأقتصد قدر الإمكان ..
في قوله تعالى: (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا)
لماذا نقلت قول الرازي فقط ولم تنقل قول باقي المفسرين؟
سأكتفي بنقل كلام ابن تيمية وحده لأنه يخالفك صراحة .. لأبين لك خطأ تحيزك واصطفائك لما تهوى من أقوال.
قال في دقائق التفسير (2/ 135) وبعد أن ذكر كلام السلف:
قلت: الاستمتاع بالشيء هو أن يتمتع به ينال به ما يطلبه ويريده ويهواه ويدخل في ذلك استمتاع الرجال بالنساء بعضهم لبعض كما قال (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) ومن ذلك الفواحش كاستمتاع الذكور بالذكور والإناث بالإناث ..
وفي الجملة استمتاع الإنس بالجن والجن بالإنس يشبه استمتاع الإنس بالإنس .. وتارة يمكنه من نفسه فيفعل به الفاحشة وكذلك الجنيات منهن من يريد من الإنس الذي يخدمنه ما يريد نساء الإنس من الرجال وهذا كثير في رجال الجن ونسائهم فكثير من رجالهم ينال من نساء الإنس ما يناله الإنسي وقد يفعل ذلك بالذكران .. اهـ
ولن نتناقش هنا في مسألة جماع الجن للإنسية أو التعليق على آية (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ") لأننا قتلنا هذه المسألة بحثا وأنت تعلم هذا. فلا نعيده.
وأما الآية الرابعة في هذه المجموعة فهي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ" (الأعراف:201).
وبعدما ذكرت مجمل معانيها في اللغة قلت: [وقد تبين من خلال ما ذكره علماء اللغة أن لفظة المس ليست حقيقة في الجنون والنكاح وإنما هي من قبيل الكنايات]
ثم نقلت عن النحاس قوله: " مَسَّهُمْ طَائِفٌ " يعني عارض وسواس. وارتضيته!!
كذا فسرته بالوسواس تأويلا منك واتباعا للنحاس .. وهذا اختيار واصطفاء لنصرة مذهبك ..
وإلا فلو أنصفت لنقلت كلام العلماء في هذه اللفظة على الخصوص ..
ونقلك لكلام الطبري ها هنا، لا يفيدك إذ إن الإمام عمم لاتحاد المعاني الكثيرة في الحكم ..
وأنا أنقل لك ما لم تذكره أنت صراحة في الآية:
قال ابن منظور في لسان العرب (9/ 228): والطَّيْفُ: المَسّ من الشيطان وقرئ إذا مسهم طيف من الشيطان وطائف من الشيطان وهما بمعنى وقد أَطاف وتَطَيَّف وقولهم طَيفٌ من الشيطان كقولهم لَمَم من الشيطان وأَنشد بيت أَبي العِيال الهذلي: فإذا بها وأَبيك طَيْفُ جُنونِ، وفي حديث المبعث فقال بعض القوم: قد أَصاب هذا الغلامَ لَممٌ أَو طَيْفٌ من الجنّ أَي عَرضَ له عارِضٌ منهم، وأَصل الطيف الجنون ثم استعْمل في الغضب ومَسِّ الشيطان يقال طاف يَطيف ويَطُوفُ طَيْفاً وطَوْفاً فهو طائف ثم سمي بالمصدر.
وقال ابن منظور أيضا في (13/ 92): والخَبْل والجِنَّةُ طائفُ الجِنِّ وقد جُنَّ جَنّاً وجُنوناً واسْتُجِنّ.
¥