وقلت: [صرع الجن- تلبس الشياطين- دخول الجن إلى أبدان المصروعين. وما يقاربها من الألفاظ، كل هذا لم يثبت به خبر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه]
وقلت: [إن هذا التفسير على هذا النحو لم يندرج في كتب التفسير إلا على أثر ما ذكره القرطبي في تفسيره، ولا أعلم أحدا من المفسرين في تفاسيرهم قبل القرطبي قد ذكر ذلك. وعلى أثره توارد المفسرون على نقل هذا الكلام دون تمحيص. حتى صار اليوم دينا يدافع الناس عنه ويشنؤون من ينكره]
ولن أعقب على هذا، إذ إنه كلام .. وسيأتيك ضمنا ما فيه من أوهام ..
ثم ذكرت: الخلاف في موضوع القيام وهل هو في الدنيا أم يوم القيامة؟
وأنا لن أتبعك في هذا الخلاف، وأقول فقط كلمة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ..
قال في تفسير القرآن (5/ 297): فاختلف المفسرون في معنى «القيام»، ومتى يكون؛ لكنهم لم يختلفوا في قوله تعالى: {يتخبطه الشيطان من المس}؛ يعني متفقين على أن الشيطان يتخبط الإنسان؛ و {من المس} أي بالمس بالجنون؛ وهذا أمر مشاهد: أن الشيطان يصرع بني آدم؛ وربما يقتله - نسأل الله العافية - يصرعه، ويبدأ يتخبط، ويتكلم، والإنسان نفسه لا يتكلم - يتكلم الشيطان الذي صرعه.
وقلت: [وأما ما يروى من مرفوعات الأحاديث فلم أجد إلا ما رواه الطبراني من طريق الحسين بن عبد الأول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياي والذنوب التي لا تغفر، الغلول فمن غل شيئا أُتِيَ به يوم القيامة، وآكل الربا، فمن أكل الربا بعث يوم القيامة مجنونا يتخبط، ثم قرأ:" الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ]
قلت: ذكرت الحديث من طريق الحسين بن عبد الأول ومزقت الرجل الذي قال عنه العجلي: كوفي ثقة عالم وكذلك وثقه ابن حبان، فان قيل فيه أنه ضعيف وقيل ثقة فغايته أنه مختلف فيه ..
ولذلك قال أبي حاتم في الجرح والتعديل: كتبت عنه بالكوفة وسمعت الناس يتكلمون فيه .. ولم تذكر هذا!! وقد روى له أبو حاتم وأبو جعفر الطحاوي وشيخه وغيرهم على جلالتهم ..
وتكذيب ابن معين يا عزيزي لابد أن يقرن بكلام غيره، فكيف وقد وثق ووصف بالعلم، ولم يتابع ابن معين أحد على هذا التكذيب، وهو معروف عند أهل الصنعة بالتشدد.
وأنصحك أن تراجع بعض المباحث من كتاب الرفع والتكميل للعلامة اللكنوي الهندي لترى قمة العدل في علم الجرح والتعديل ..
وقد صحح أو على الأقل حسن الألباني الحديث (3313) وذكر له شاهدا يقويه وهو ما رواه الطبراني في المعجم الكبير (18/ 59) عن حبيب بن عبيد أن حبيب بن مسلمة (وهو صحابي): أتى برجل قد غل فربطه إلى جانب المسجد وأمر بمتاعه فأحرق فلما صلى قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه وذكر الغلول وما أنزل الله فيه فقام عوف بن مالك فقال: يا أيها الناس إياكم وما لا كفارة من الذنوب فإن الرجل يربي ثم يتوب فيتوب الله عليه وإن الله تعالى يقول: {وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} وإن الله يبعث آكل الربا يوم القيامة مجنونا مخنقا.
وابن أبي مريم على ضعفه فحديثه شاهد جيد على أصول مصطلح الحديث .. وهذا ما فعله الألباني.
وقولك بعد ذلك: وبناء على ما سبق فان الحديث من قبيل الموضوعات!! فأي شيء سبق أيها الحبيب؟ هل هو نقلك الجرح عن عالمين فقط وتركك التعديل؟ وكيف لك أن تتجرأ فتقول بوضعه وما وصفه الهيثمي إلا بالضعف فقط فيما نقلته أنت بنفسك؟ أرأيت فعلك هذا إلى ما جرك؟ جرك إلى القول بوضع الحديث الصحيح موافقة لتأويلك ولمخالفة العلماء الكبار ..
وفي تفسيرك لهذه الآية: أول ما تستفتح به هو استهزائك بالإمام الطبري بقولك:
[وإذا نحن تأملنا كلام الطبري نجده يتكلم عن صورة لا وجود لها في الدنيا، فلم يشاهد الناس أصحاب البنوك الربوية الذين يمتصون دماء الناس يترنحون صرعى في الطرقات!!]
وتقول عن القرطبي: [غير أنّا وجدنا القرطبي المفسر يفصل هذا الاستدلال على نحو عجيب!!]
وهذا لن أعقب عليه بشيء ..
ثم قلت: [وفي كلام القرطبي رحمه الله مؤاخذات:
1 - أنه أول من قال بهذا القول من المفسرين في تفسير هذه الآية على هذا النحو.
2 - لا أدري ما هو وجه الاستدلال من هذه الآية على الصرع وكيف تم ربطهما من خلالها.
¥