وقال ابن الجوزي في زاد المسير في علم التفسير (1/ 286): قال ابن قتيبة: لا يقومون أي يوم البعث من القبور، والمس: الجنون، يقال رجل ممسوس: أي مجنون.
ويقول النسفي في مدارك التنزيل وحقائق التأويل (1/ 137 - 138): لا يقومون إذا بعثوا من قبورهم (إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان) أي المصروع .. والخبط: الضرب على غير استواء، كخبط الغشواء (من المس) من الجنون .. أي لا يقومون من المس الذي كان بهم إلا كما يقوم المصروع.
ويقول أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط (2/ 334): وظاهر الآية أن الشيطان يتخبط الإنسان، فقيل ذلك حقيقة هو من فعل الشيطان، بتمكين الله تعالى له من ذلك في بعض الناس، وليس في العقل ما يمنع ذلك، وأصله من المس باليد، كان الشيطان يمس الإنسان فيجنه، ويسمى الجنون مساً، كما أن الشيطان يخبطه ويطأه برجله فيخبله، فسمي الجنون خبطة .. وهو على سبيل التأكيد ورفع ما يحتمله من المجاز.
ويقول ابن جزي الكلبي في التسهيل (1/ 94): أجمع المفسرون أن المعنى لا يقومون من قبورهم في البعث إلا كالمجنون، ويتخبطه يتفعله من قولك: خبط يخبط، والمس: الجنون.
ويقول ابن كثير (1/ 326): أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قياماً منكراً.
يقول الألوسي (3/ 49): الذين يأكلون الربا لا يقومون يوم القيامة إلا قياماً كقيام المتخبط المصروع في الدنيا (من المس) أي: الجنون، يقال مُسَّ الرجل فهو ممسوس إذا جُنَّ، وأصله اللمس باليد، وسُمي به لأن الشيطان قد يمس الرجل وأخلاطه مستعدة للفساد فتفسُد، ويحدث الجنون، والجنون الحاصل بالمس قد يقع أحياناً، وله عند أهله الحاذقين إمارات يعرفونه بها، وقد يدخل في بعض الأجساد على بعض الكيفيات ريح متعفن تعلقت به روح خبيثة بالتصرف، فتتكلم وتبطش وتسعى بآلات ذلك الشخص الذي قامت به من غير شعور للشخص بشيء من ذلك أصلاً.
ويقول محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره (3/ 82): والذي يتخبطه الشيطان هو المجنون الذي أصابه الصرع، فيضطرب به اضطرابات، ويسقط على الأرض إذا أراد القيام .. وإنما احتيج إلى زيادة قوله (من المس) ليظهر المراد من تخبط الشيطان، فلا يُظن أنه تخبط مجازي بمعنى الوسوسة.
وقال القرطبي (3/ 355): الثانية عشرة - في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن، وزعم أنه من فعل الطبائع، وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس، وقد مضى الرد عليهم فيما تقدم من هذا الكتاب.
وقال البغوي (1/ 340): {إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ} أي يصرعه {الشَّيْطَان} أصل الخبط الضرب والوطء، وهو ضرب على غير استواء يقال: ناقة خبوط للتي تطأ الناس وتضرب الأرض بقوائهما {مِنَ الْمَسِّ} أي الجنون يقال: مس الرجل فهو ممسوس إذا كان مجنونا، ومعناه: أن آكل الربا يبعث يوم القيامة وهو كمثل المصروع.
وقال الرازي (1/ 74): المسألة السادسة: المشهور أن الجن لهم قدرة على النفوذ في بواطن البشر، وأنكر أكثر المعتزلة ذلك، أما المثبتون فقد احتجوا بوجوه: الأول: أنه إن كان الجن عبارة عن موجود ليس بجسم ولا جسماني فحينئذٍ يكون معنى كونه قادراً على النفوذ في باطنه أنه يقدر على التصرف في باطنه، وذلك غير مستبعد، وإن كان عبارة عن حيوان هوائي لطيف نفاذ كما وصفناه كان نفاذه في باطن بني آدم أيضاً غير ممتنع قياساً على النفس وغيره. الثاني: قوله تعالى: {لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الذي يَتَخَبَّطُهُ الشيطان مِنَ المس} [البقرة: 275] الثالث: قوله عليه السلام: «إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم». ثم ذكر حجج المبطلين وركن إليها قليلا.
وقال الماوردي في النكت والعيون (1/ 203):
واختلفوا في مس الجنون، هل هو بفعل الشيطان؟ فقال بعضهم: هذا من فعل الله بما يحدثه من غلبة السوداء فيصرعه، ينسب إلى الشيطان مجازاً تشبيهاً بما يفعله من إغوائه الذي يصرعه.
وقال آخرون: بل هو من فعل الشيطان بتمكين الله له من ذلك في بعض الناس دون بعض، لأنه ظاهر القرآن وليس في العقل ما يمنعه.
¥