تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم ذكرت حديث: إن الشيطان يجري من ابن ادم مجرى الدم.

وقلت: [وبعد هذا فإن الحديث لا يصح تفسيره إلا بالوسوسة ليس إلا؛ فسياقه وكل ألفاظه لا تدل إلا على هذا]

أخي الفاضل: طالما علمت أن هناك اختلاف، فلا أقل من أنت تحترم المخالفين، ولا تتجاهلهم فإنهم كثر أولا، ومع ظاهر اللفظ بلا تأويل ثانيا ..

ثم التمسك بسبب الورود أو السياق لا ينفي أن تكون فيه فائدة ظاهرة ..

فنصحه للرجلين وخوفه أن يلقي الشيطان في قلوبهما الشر، تعدى إلى بيان فائدة أهم وهي التي روي الحديث من أجلها أصلا، وبوب عليها العلماء بابا خاصا لهذا اللفظ ..

فلتقريب المسألة بين لهما جازما جريان الشيطان مجرى الدم أي كمجرى الدم، فاتحد في المكان وشبه بالجريان ..

هذا هو الكلام الذي ستراه من المحققين: اتحد الشيطان والدم في المكان وهو داخل جسم الإنسان، وتشابها في الجريان .. وهذا من أوضح ما يكون ..

أما سلوك سبيل من تأول ظاهر النص ذريعة لنفي دخول الجن في ابن آدم، فلا جديد إذ أولوا كلام الله من قبل لبيان مذهبهم العقلي في هذه المسألة.

وقد استدل بهذا الحديث على قدرة الجن سلوك بدن الإنسان جماعة من كبار علماء وأئمة أهل السنة والجماعة منهم: ابن قتيبة – الطبري – القرطبي - ابن تيمية – ابن القيم - ابن حجر الهيثمي وردَّ به على المعتزلة منكري ذلك - البقاعي - ابن حجر العسقلاني في بذل الماعون - موفق الدين بن عبد اللطيف البغدادي - القاسمي - وحكى النووي أن علماء الشافعية استدلوا بالحديث على أن الله جعل للشيطان قوة وقدرة على الجري في باطن الإنسان مجاري دمه ..

وقال الغزالي: إن الشيطان يدخل في جوف الإنسان ..

وقال القاضي عياض وغيره هو على ظاهره وأن الله تعالى جعل له قوة وقدرة على الجري في باطن الإنسان في مجاري دمه ..

وقال المناوي: فإن الشيطان متمكن من جوف ابن آدم يجري منه مجرى الدم، بدليل خبر البخاري معلقا الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس وإذا غفل وسوس.

ومن العلماء المعاصرين: ابن باز – الألباني – ابن عثيمين .. إلى كثير وكثير.

أما قولك: حرف الجر (من) غير مرادفه لحرف (في)، وتعجبت!!

فقال الطيبي: عدي يجري بـ (من) على تضمنه معنى التمكن أي يتمكن من الإنسان في جريانه في عروقه مجرى الدم ..

وكيف تنكر ذلك وهذا في كتاب الله في مواضع ذكر السيوطي بعضها في الإتقان، مثل قوله تعالى: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) أي في يوم الجمعة، وقال الشافعي في قوله (فإن كان من قوم عدو لكم) أي في .. وراجع هذا المبحث ..

فالوقوف مع ظاهر النص مع انعدام الاستحالة هو الأصل .. فالذهاب للتأويل بلا مسوغ بطالة وتحريف لظاهر النص الجلي.

وهذا الحديث فيه كلام كثير أقتصر على هذا .. والله المستعان.

وقلت: [إنني أيضا لا أعلم في السنة حديثا صحيحا صريحا يثبت هذا الأمر]

فأقول لك يا أخي: إن كنت لا تعلم فلا جرم، واسأل من يعلم فلا حرج ..

وإنكارك للأحاديث الصحيحة في الباب، وتعميتك عنها وعن الإشارة إليها ما هو إلا رد للسنة صريح أو جهل بها وكلاهما أسوأ من الآخر ..

وكان لزاما عليك في معرض تقرير هذا المذهب الاعتزالي الخبيث أن تلم بأدلة المخالف .. ولكن العصبية والحمية للرأي ونصرته فعلت ما فعلت، وكما قيل: حبك للشيء يعمي وتصم ..

ثم ذكرت مثل هذا الأمر من الأناجيل .. وختمت بحثك بأنه هو (الحق بعينه) ..

فانظر للحق في مشكاة النبوة واحكم بالعدل:

في الصحيحين عن عطاء بن أبي رباح قال، قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت بلى قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي قال: إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، قالت أصبر قالت فإني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها.

وزاد البخاري في روايته: عن عطاء أنه رأى أم زفر تلك امرأة طويلة سوداء على ستر الكعبة. رواه البخاري 5652 ومسلم 2576.

وقال ابن حجر: وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها قالت: إني أخاف الخبيث أن يجردني فدعا لها فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتي أستار الكعبة فتتعلق بها.

وكانت تفعل ذلك إذا خشيت أن يأتيها الصرع.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير