فقد ذكرت لك حديث الصحيحين في المرأة التي كانت تصرع وكلام ابن حجر في الفتح وابن عبد البر في الاستيعاب وابن الأثير في أسد الغابة أن صرعها كان صرع من الجن؟ ولو نشطت لك لذكرت جمهور من العلماء الذين قالوا بذلك ..
وذكرت لك حديث يعلى بن مرة وهو في المسند وفيه أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال مخاطبا الجن في الغلام (اخرج عدو الله أنا رسول الله، قال: فبرأ) ..
وذكرت لك حديث ابن ماجة عن عثمان بن أبي العاص وقصته وبعدما حكاها للنبي صلى الله عليه وسلم قال له: ذاك الشيطان، أدنه، فدنوت منه، فجلست على صدور قدمي، قال: فضرب صدري بيده وتفل في فمي، وقال: أخرج عدو الله، ففعل ذلك ثلاث مرات ثم قال: الحق بعملك، فقال عثمان: فلعمري ما أحسبه خالطني بعد ..
فإن كانت هذه الأحاديث غير صحيحة عندك فبين لنا وجه ضعفها حديثيا، وإلا فاتبع منهج العلماء في قبول الخبر الصحيح والعمل به.
الأمر الثاني: أن الأقوال التي ذكرتها لك إما من كلام أهل اللغة في بيان معنى لغوي اخترت أنت خلافه نصرة لرأيك، أو كلام لمفسرين كبار خالفتهم جهارا برأيك، أو كلام لعلماء الحديث في شرح معنى تغافلت عنه وألقيته وراء ظهرك ..
وهؤلاء العلماء كل في ميدانه مخالفتهم تجهيل لهم لا سيما إن كانوا كثرة كاثرة كما بينت لك، وإن أردت أن أعدد لك أسماءهم، فالأمر سهل.
الأمر الثالث: مخالفة أهل السنة، وهذا في الجملة غير سديد لأنك من أهل السنة، وبالتالي فمخالفتهم إن كان بدليل فأهلا وسهلا، وإن كان برد عقلي فلا مرحبا به ..
وأنا ما قلت أن مخالفهم في هذه المسألة ضال وكذاب ومبتدع من عندي ..
وإنما من وصفهم بالكذب هو الإمام أحمد، وقد سأله ابنه عبد الله عمن ينكر دخول الجني في بدن الإنسان فقال: يا بني: يكذبون، هو ذا ينطق على لسانه ..
وقال ابن تيمية: فمن أنكر ذلك فهو يكذب على الشرع ويكذب في نفس الأمر أو كما قال ..
وابن عثيمين والفوزان وابن باز والألباني وغيرهم كثير قالوا أن من أنكر ذلك فهو مبتدع ضال ..
فأين رأيي؟ لا رأي لي في الموضوع، وإنما هي أحكام العلماء من أحمد لابن تيمية للألباني والمعاصرين ..
وقولك في رقم (4): من الذي قال بأن رأي المعتزلة يجب اطراحه لأنهم معتزله أين هو الإنصاف إذا كان المعتزلة يقولون قولا لا يتعارض مع نصوص الشرع لكنه قد يتعارض مع بعض أفهام أهل السنة؟
أولا: لأن المعتزلة يقدمون العقل على النقل، ولأنهم فرقة نفت عن الخالق جميع الصفات حتى وصفوه بالعدم، ولهم طريقة خبيثة في لي للنصوص وتأويلها لتوافق مذهبهم، وهذا يعرفه أقل قارئ في مذاهب الفرق ..
وثانيا: مرحبا برأي من المعتزلة يتوافق ونصوص الشرع، أما رأيا يهدم النصوص ويؤولها وينكر ما فيها فلا مرحبا به.
وثالثا: تعارضهم مع أفهام أهل السنة ليس هو المراد، وإنما التعارض مع كيفية الاستدلال لما في النصوص من حكم وبيان، فمن طالع رأيهم لنفي رؤية الله أو استوائه على عرشه يعلم يقينا كيف أنهم ينكرون ما خالف العقل، ويقدمونه على النص، ويلوون الآيات ليا حتى فسروا معنى استوى بـ استولى ..
فخلاصة ذلك: أن آراء المعتزلة في مسألة تتوافق والنصوص الشرعية فلا تثريب عليه ولا على نقله وحكايته وعزوه إليهم، فالقوم كانت لهم صولات وجولات مع الفلاسفة والصابئة والكتابيين، فحكاية الحق عنهم لا إشكال فيه، لكن الإشكال في تتبع مذهبهم وقواعدهم والتي خرج منها الفطاحل فأنكروها جملة وتفصيلا.
وقولك في رقم (5): أنا لم اتهم الحسين بن عبد الأول بما ذكرت وكان عليك أن توجه كلامك لابن معين الذي قال عنه انه احد أعمدة الكذب.
نعم أنت لم تتهمه، ولكنك نقلت ما لك وعميت عما عليك، فكان حقا أن تذكر توثيق من وثقه، فمالي وابن معين؟ أنت الذي نقلت ولم تنصف فتذكر جميع الأقوال في الرجل ليعلم القارئ أن اقل أحواله أنه مختلف فيه، فإن جاء ما يعضده من طريق آخر فقد صح الحديث ..
¥