فهاهو ينقل إقرار الذهبي على الحديث، وبهذا نرد على من قال أن تلاميذ الذهبي لم يعرفوا هذا الإقرار!!
وقد يأخذ بتصحيح الذهبي فيما سكت عليه الحاكم كما في حديث " إذا شربوا الخمر فاجلدوهم " قال الزيلعي في نصب الراية (3/ 347): رواه .. والحاكم في المستدرك وسكت عنه، قال شيخنا الذهبي في مختصره: هو صحيح.
وفي حديث: " يا عمر هاهنا تسكب العيون " قال الزيلعي في نصب الراية (3/ 38):
رواه الحاكم في المستدرك وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ولم يتعقبه الذهبي في مختصره ولكنه في ميزانه أعله بمحمد بن عون ونقل عن البخاري أنه قال: هو منكر الحديث، انتهى
وهنا قال أن الذهبي لم يقر الحاكم، والذهبي إنما سكت ولم ينقل كلام الحاكم، فبان بهذا أن غير سكوته عنده إقرار، وهذا من أوضح ما يكون، وهو من كلام الزيلعي تلميذ الذهبي ..
ومثل هذا حديث آخر (3/ 80) قال فيه: ووهم الحاكم في المستدرك فرواه وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ولم يتعقبه الذهبي في ذلك.
وهذا الحديث رواه الحاكم (1743) وسكت الحافظ الذهبي عليه، فبان بهذا أن تعقب الذهبي عند الزيلعي ما هو إلا إقرار أو مخالفة في التصحيح أو التضعيف.
وقريب من هذا صنيع ابن الملقن - وهو من طبقة الزيلعي – عند حديث المسور بن مخرمة مرفوعاً: " إن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري " قال: ثم قال الحاكم: صحيح، وأقره الذهبي عليه. (نقلا من كلام الدكتور سعد بن عبد الله الحميد في مناهج المحدثين)
وكثير من الناس بعد ذلك اطلع على مختصر الذهبي للمستدرك ونقلوا عنه، وليس بالضرورة أن ينقلوا تصحيح الذهبي، بل العناية في النقد تكون فيما ضعفه الذهبي عند الحاكم فهي أولى بالنقل ..
فهذا ابن حجر: قال في فتح الباري (12/ 181):
وقد أخرج الحاكم من طريق ابن عباس عن عمر أنه قال لرجل أقعد جاريته وقد اتهمها بالفاحشة على النار حتى احترق فرجها هل رأيت ذلك عليها؟ قال لا قال فاعترفت لك؟ قال لا قال فضربه وقال لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يقاد مملوك من مالكه، لأقدتها منك.
قال الحاكم صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي بأن في إسناده عمرو بن عيسى شيخ الليث وفيه منكر الحديث، كذا قال فأوهم أن لغيره كلاما وليس كذلك فإنه ذكره في الميزان فقال لا يعرف لم يزد على ذلك ولا يلزم من ذلك القدح فيما رواه بل يتوقف فيه.
وابن حجر ينقل تصحيح الحاكم ويقره أحيانا كثيرة، ولا يذكر تعقيب الذهبي، ولا يبعد أن يكون ذلك لمعرفته بإقرار الذهبي عليه.
والأئمة الذين قالوا بإقرار الذهبي للحاكم فيما ينقله من عبارات التصحيح هم العلماء الحفاظ الثقات، ومن بعدهم مجموعة من المحققين الكبار لا يبلغ شأوهم ولا يصنع صنيعهم أحد ممن بعدهم ..
فمن قال بخلاف هؤلاء كيف نرجح قوله عليهم وما معه إلا أوهام وتخيلات وضرب من الحدس يقوله غير جازم به ..
7 - قالوا: أن الذهبي لم يصرح بهذا الذي صرح به الناس على لسانه نيابة عنه، ولا رأيناه قال هذا الذي قولوه إياه.
قلنا: هذا الذي في مختصره ما هو في الحقيقة إلا إقرار منه لتصحيح الحاكم، فإننا وإن لم نقل إن سكوته إقرار – مع أنه في غير المختصر يعد إقرارا صريحا – إلا أننا قلنا إن نقله لتصحيح الحاكم ما هو إلا إقرار وذلك لأمور:
الأول: أنه تعرض للأسانيد التي فيها ضعف من جهة الرواة أو نكارة في المتن أو ما هو من هذا القبيل، وارتضى العلماء قوله هذا، ونقلوه عنه، ونسبوه حكما صريحا له، ويحتجون بتضعيفه فيه، فمن باب أولى أن نقله لتصحيح الحاكم يدل على أنه أقره عليه.
الثاني: أن تعقيبه على الأحاديث التي فيها ضعف أو في سندها نكارة موجود من أول الكتاب إلى آخره، ومنهجه فيها واحد، يتكلم عما رأى فيه علة، ويسكت عما رآه وقتئذ صحيح فيكون هذا موافقة منه للحاكم.
الثالث: أنه في تعقيبه يتكلم عن الأحاديث التي سكت عليها الحاكم فيصفها بما يوافقها من حكم وهاكم أمثلة أربعة:
أن أول حديث ذكره الحاكم في المستدرك (1/ 43) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا.
قال الذهبي قي التلخيص: لم يتكلم عليه المؤلف وهو صحيح.
¥