ومثله حديث (رقم 12) عن أبي هريرة قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفرا غير الصلاة.
قال الذهبي قي التلخيص: لم يتكلم عليه وإسناده صالح.
ومن وسط الكتاب الحديث (4479) سكت عنه الحاكم وقال الذهبي قي التلخيص: صحيح.
ومن آخر الكتاب حديث رقم (8792) سكت عنه الحاكم وقال الذهبي قي التلخيص: سنده صالح.
فإن كان يحكم على ما سكت الحاكم عليه ..
ويحكم على كثير من أسانيده بالضعف والنكارة ووو ..
ويتوقف أحيانا فيسكت ولا يقول فيه شيئا ..
فما بقي إلا ما قعدتموه أنتم: وهو إقراره لما ينقله من تصحيح، فما الدليل على هذا الاستثناء؟
رابعا: أن الاختصار أحيانا يكون في السند والمتن ثم يلخص قول الحاكم على الحديث، فبالضرورة اطلع على السند والمتن الذين لخصهما، فمن باب أولى أن نقول أنه لم ير علة أو راويا ضعيفا فيكون اختصاره لحكم الحاكم على الحديث إقرار له، لا سيما وهو يأتي بزبدة قول الحاكم.
خامسا: أنه قد يخالفه في صيغة التصحيح مما يبين بجلاء أنه وافقه بتصرف مثل أن يقول الحاكم: حديث صحيح على شرطهما فيتعقبه الذهبي فيقول أنه على شرط أحدهما .. أو يقول الحاكم: صحيح على شرط أحدهما فيقول الذهبي أنه على شرطهما أو على شرط الآخر .. وهذا كثير جداً.
أو أن يصحح الحاكم حديثا وهو على شرطهما أو أحدهما مثل حديث رقم (8790) صححه الحاكم فقط فقال: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه، وتعقبه الذهبي قي التلخيص وقال: على شرط مسلم.
والأحاديث الكثيرة التي ذكرها الحاكم وقال لم يخرجاه، فيتعقبه الذهبي بأنه عندهما أو عند أحدهما.
سادسا: أن كم الأحاديث التي صححها الحاكم ووافقه عليها الذهبي كثيرة جدا، وأقصى ما قد يقال في أكثرها أنها حسنة ولا فرق ..
نعم: فيها جملة من الضعيف والشاذ والمنكر وما في سنده كلام، لكن هذا من جملة ما وافقه الذهبي عليه قليل بالنسبة لما وافقه على تصحيحه .. وقلما نجد فيه حديثا موضوعا إذ إن الذهبي قد أخرجها مفردة وهي قرابة المائة حديث.
وهذا وإن كان في حاجة إلى سرد وتعداد إلى أنه من الغبن أن نهجم هجوم البربر على كل ما صححه الحاكم ووافقه الذهبي عليه فنهدمه كله بلا مبرر ..
فالدعوة إلى التنقيب عما صححه الحاكم ووافقه الذهبي ودراسة سنده جيدا أمر مطلوب، ولكن إن لم يكن في الحديث إلا تصحيحهما ولم يضعفه غيرهما فأقل أحواله أن يوصف بالحسن إن خلا إسناده من متهم أو غير ذلك ..
حتى الأحاديث التي لم يتكلم عليها الحاكم قال عنها الذهبي أثناء تعليقه على أول حديث في كتابه مختصر المستدرك: ولذا لم أره يتكلم على أحاديث حجة بعضها جيدة وبعضها واهٍ. اهـ
سابعا: أن اتهامكم للذين شنعتم عليهم وقلتم أنهم بذلك غلطوا الذهبي ووهموه لأنه أقر الحاكم على أحاديث فيها ضعف أو نكارة، أنتم أولى بهذا الاتهام من غيركم لأنكم بهذا الرأي اتهمتم الإمام الذهبي بخيانته للأمانة العلمية فيرى الباطل والمنكر ويسكت عليه، مع أنه من أول الكتاب إلى آخره يتعقبه فيما رآه وقتئذ يستحق التعقيب ..
فجنيتم أنتم على الإمام الذهبي من حيث أردتم صيانته وتبرئته والدفاع عنه ..
ولو أنكم سلمتم بأن هذا قبل انتشار كتبه الكثيرة في الرجال وتمرسه في علم الحديث وأن هذا من طبع البشر، وجوزتم عليه الخطأ والوهم كأي عالم يخطيء ويسهو ويفوته الكثير في بدايات التصنيف لما أوقعتم أنفسكم في هذا الغلو الذي ينأى عنه الإمام الذهبي رحمه الله ..
قال الإمام الذهبي في سير النبلاء (3/ 321) عند قول أبي هريرة: رب كيس عند أبي هريرة لم يفتحه. يعني: من العلم ..
قلت (الذهبي): هذا دال على جواز كتمان بعض الأحاديث التي تحرك فتنة في الأصول أو الفروع ; أو المدح والذم ; أما حديث يتعلق بحل أو حرام، فلا يحل كتمانه بوجه ; فإنه من البينات والهدى. اهـ
فأنتم على رأيكم تتهمون الذهبي بأنه مر على أحاديث صححها الحاكم وهي عنده ضعيفة واختصر كلام الحاكم ولم يتعقبه، وهذا في الظاهر حسب رأي جمهور العلماء إقرار منه له ..
فأي اتهام هذا الذي نسبتموه لغيركم، والذهبي يقول: لا يحل كتمان هذا لأنه من البينات والهدى؟
¥