[المغايرة الإعرابية (منقول) لأهميته]
ـ[محمد سعد]ــــــــ[24 - 01 - 2008, 02:17 ص]ـ
المغايرة الإعرابية في القرآن الكريم ـ د. مصطفى رجب
إن الأنماط اللغوية المتعددة للآيات القرآنية، وفقاً للقراءات، أو للرسم العثماني، ذات قيمة تعبيرية تحفل بالعديد من المظاهر التأثيرية التي يتغياها النص القرآني الشريف. وقد استفرغ علماء اللغة والبلاغيون جهودهم سنين طوالا في تتبع مظاهر تأثير هذا الأسلوب الفريد. فلم يبلغوا من ذلك إلا مقدار ما أتاحته لهم المشيئة الإلهية. ليبقى للقرآن الكريم عطاؤه المتجدد للأمة المسلمة وغيرها في كل زمان ومكان.
والمتتبع للقنوات الفضائية الساقطة – وهي معروفة – ولبعض مواقع الانترنت التشكيكية، يرى كثيرا من السفهاء وأغيلمة السوء يقعون في القرآن الكريم لجهلهم الفاضح وعجزهم الواضح عن تذوق العربية. وسنرد في هذا المقال بعض حرابهم إلى نحورهم المريضة.
والمقصود هنا بالمغايرة الإعرابية "مخالفة إعراب كلمةٍ ما، لما تواضع عليه النحاة واللغويون من قواعد نحوية أو صرفيةً"، وسوف نحاول أن نتلمس أسرار هذه المخالفة التي نؤكد هنا إنها ما جاءت على هذا النحو إلا لإثراء الأسلوب، وبث قيم دلالية جديدة فيه. وهذا ما عنيت به المدارس اللغوية الحديثة لا سيما مدرسة تشومسكي التي اهتمت كثيراً بهذه الظاهرة وأطلقت عليها اسم "التحويلات اللغوية" أو "الأسلوبية".
النموذج الأول:-
قال تعالى في وصف الكافرين: "مَثَلُهَمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلّمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ في ظُلُمَاتٍ لا يُبْصُرونَ". [البقرة/17]
الضمير الجمعي في كلمتي (نورهم – تركهم) وكذلك الواو الجماعية في كلمة (يبصرون) تتعلق جميعاً بكلمة (الذي) في أول الآية. فهنا حدثت مغايرة إعرابية إذْ عاد ضمير الجماعة على المفرد. فما سر هذه المغايرة؟ وهل أضافت قيمة دلالية عما لو سار السياق كله على المفرد فقيل –مثلاً- (ذهب الله بنوره وتركه في ظلمات لا يبصر)؟.
إن أقوال القدماء من العلماء في تفسير هذه المغايرة تدور –في معظمها- حول قضية (الحمل على المعنى) أي أن معنى الآية متعلق بالكافرين فجاء اللفظ بصيغة الجمع حملاً للفظ على معناه المقصود.
غير أن هذه الرؤية، وإن كانت صحيحة، لا تشفي الغليل، فاللغة العربية تسمح أساساً بأن يعامل المفرد معاملة الجمع كما في قول الشاعر القديم:
وإن "الذي" حانت بفلجٍ دماؤهم =هم القوم كل القوم يا أُمَّ خالد وقد ورد هذا في القرآن الكريم في مواضع شتى منها قوله تعالى:
"أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ...... ". [النور/31] وما حوتْ العربية هذا الخصيصة إلا لعلة بيانية هي ما نسعى إلى تلمسه في هذه الآية الكريمة التي أتت بعد عدة آيات تحدثت عن الكافرين ومكابرتهم وإصرارهم على الاستهزاء بدعوة الرسل. فشبّه الله تعالى موقفهم في هذه العنجهية والمكابرة بموقف الذي ذهب مع أصحابه يرود لهم الطريق فأشعل ناراً يستضئ – هو وقومه – بنورها فأتت ريح أطفأت نارهم فتخبطوا في الظلام حائرين عاجزين مذهولين.
ومن هنا، كان للمغايرة الإعرابية – من إعادة ضمير الجماعة على المفرد (اسم الموصول) قيمة دلالية جديدة إذ أوحى السياق- بهذه البنية اللغوية- بأن ما يتذرع به الكفار من حجج إن هو إلاّ وهم باطل، وأنه لا فارق بين كفر وكفر، فزعيمهم الذي يستوقد لهم النار سيناله ما ينالهم من حيرة واضطراب وعجز وذهول حين يكتشف –معهم- أن لا أمل لهم في نجاة، فالظلمات تحيط بهم جميعاً من كل مكان. وفي إعادة الضمير الجمعي على المفرد إيذان بتحمل هذا الفرد مسؤولية إضلال قومه، وكشف له أمامهم، وبيان ما هو عليه من ضعف وذل. وفوق هذا كله. فقد بدأت الآية بالجمع [مثلهم ... ] وانتهت بالجمع [يبصرون] وراوحت في ثناياها بين الأفراد والجمع – مع الحفاظ على مستوى الزمن – مما أكسب التعبير حيوية وتجدداً في عطائه الدلالي للسامع والقارئ.
يتبع النماذج الأخرى