الجرّ على الجوار .. وآثار الانفجار!
ـ[مريم الشماع]ــــــــ[04 - 02 - 2008, 07:31 م]ـ
بجمع ما قالته أختنا الأستاذة مريم مع ما قاله أخونا الأستاذ هيثم
يكون الصواب: جمعَ مؤنثٍ سالمًا
ومع ذلك أجد (جمعَ مؤنثٍ سالمٍ) مقبولة نطقا وسمعا،
ولعل هذا القبول هو ما جعلهم يضعون قاعدة للمسموع من مثل قولهم "جحرَ ضبٍ خربٍ"، فجعلوه إتباعا على الجوار.
السلام عليكم ورحمة الله
تعليق ذكيّ تفضّل به أخونا الكريم (المهندس) قبل عدّة أيام، استفزّني وساقني إلى مكتبتي أبحث عن كتاب قرأته قبل ثلاث سنوات، عنوانه (أشتات في الأدب واللغة) للأستاذ الدكتور إبراهيم السامرائي، كان قد فجّر فيه عبوة ناسفة ورمى قاذفة هاون على بعض أفكار النحويين القدماء، منها ما جاء في باب (الجرّ على الجوار).
أدعوكم إخوتي إلى استنشاق دخان الانفجار معي، لنناقش فيما بعدُ أسبابه ونتائجه:)
يقول الدكتور السامرائي:
وإني لأقف ُعلى شيء من مسائل النحاة الأقدمين لأعرض أنّ البناء القديم الذي أحسنوا في اختيار حجارته لم يسلم من فجوات هي خلل لا يمكن معه أن يستقيم فيظل شامخاً طوال العصور.
ومن هذا ما زعم النحويون فيما أرسلوا من مسائلهم وهو باب (الجرّ على الجوار) فقد قالوا فيما ادّعوا أنه من قول العرب: (هذا جحرُ ضبٍّ خربٍ)، و (خربٍ) في قول القائل القديم مجرورة وكان ينبغي أن تكون مرفوعة.
وقال ابن هشام: (وأكثر العرب ترفع (خرباً) ولا إشكال فيه) ثم قال: ومنهم من يخفضه لمجاورته للمخفوض كما قال الشاعر:
قد يُؤخذ الجارُ بظلم ِ الجارِ
وعلى هذا الوجه ففي (خرب) ضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال الآخر بحركة المجاورة.
أقول: ولم يتوقف النحوي القديم في هذا القول الذي لم يرد ما يشبهه في كلام العرب للوصول إلى توجيه هذا الوجه الغريب. وإني لأذهب إلى وصف هذا الوجه بالغرابة لأني أجد أن يكون القائل الأول لهذا قد أجرى عليه سنن العربية فوقف على الساكن فتكون (خرب) ساكنة، والقارئ يدرك أن موضعها الرفع ولا يمكن أن يكون خفضاً.
ولي أن أذهب إلى ما دعاه النحويون المتأخرون النعتَ السببيّ فأجد مثلاً قولهم: (مررت برجل ٍ قائمةٍ أمُّه)، فقالوا إنه نعت سببي للرجل، وهذا نظير قوله تعالى: ((رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا))، وليس لي أن أذهب إلى أن (الظالم أهلها) نعت للقرية، و ردُّ هذا ليس صعباً.
ثم أقول: لو أني قلت: (رأيت رجلاً قائمة ً أمُّه)، أ يكون لي أن أذهب إلى أن هذا من باب النصب على الجوار على ما ذهبوا إليه في باب الجر على الجوار؟
قلتُ: إن النحوي القديم وأوّلهم سيبويه لم يروا وجهاً لجرّ (خرب) لأنه مرفوع وأنه وصف لـ (جحر). غير أنهم لم يتركوا هذه الرواية الخاطئة في هذا الذي زُعم أنه من قول أحدهم بل راحوا يتتبعون نظائره في لغة التنزيل بحسب ما ورد من ذلك من قراءات خاصة فكان لهم من ذلك نحوٌ سوّدوا به صفحات كثيرة، ولو أنهم قطعوا القول بحمل ما زعم أنه من قول العرب على الخطإ لانتهى هذا اللغط، ولكان من هذا أننا لم نشقَ بما حُمل إلينا من صنعة لم تبنَ على عِلم حَسَن.
ولكنّ النحاة أعجبهم السير في غير الصراط المستقيم فذهبوا في سعيهم ووقفوا على مسائل صرفوا النظر فيها إلى ما يوهم أن للخطإ وجهاً من الصواب، فكان مما حملوه على هذه المسألة مواضع كثيرة من لغة التنزيل أجروا فيها صنعتهم، ومن هذه:
قال تعالى: (({مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ))، لقد قال نفر من النحاة إن كلمة (عاصف) قد تجر لمجاورتها لـ (يوم) مستظهرين أن (العصف) لا بد أن يكون من لوازم الريح.
أقول: أ ما كان لهذا النفر من النحاة أن يرى أن (عاصف) يكون وصفاً لليوم؟
وبهذا يفسد قولهم بالجرّ على الجوار، ولكنهم آثروا أن يكون منهم تشبث بأضعف الأقوال لإثبات ما يدخل في صنعة مفتعلة لا يقبلها العلم.
ومن الغريب أن يسعى إلى مثل هذه الصنعة المفتعلة الفرّاء في (معاني القرآن) إذ جاء فيه: ((وإن نويت أن تجعل (عاصف) من نعت الريح خاصة فلما جاء بعد اليوم أتبعته إعراب اليوم وذلك من كلام العرب أن يتبعوا الخفض بالخفض إذا أشبهه)).
وكأن الفراء لم يشأ أن يأتي بمصطلح (الجر على الجوار) ولكنه أراده.
¥