ثمّ من أين جاء بها محيي الدين الدرويش عند إعرابه لمواقع الفاء الفصيحة في كتابه الرائع: إعراب القرآن وبيانه؟ وقد قال عند تفسير قوله تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} البقرة60
قال: " الفاء الفصيحة: سميّت بذلك لأنّها أفصحت عن مقدّر ..... "
أخي الفاء الفصيحة مشهورة عند القدماء والمحدثين , نحويين ومفسرين للقرآن , وبلاغيين ...
ذكرها الزمخشري في الكشّاف:
قال عند تفسيره للآية السابقة:" (فانفجرت)
الفاء متعلقة بمحذوف أي فضرب فانفجرت
أو فإن ضربت فقد انفجرت كما ذكرنا في قوله
(فتاب عليكم)
وهي على هذا فاء فصيحة لا تقع الا في كلام بليغ"
وجاء في كتاب عمدة القاري في شرح البخاري لبدر الدين أبو محمد محمود بن أحمد العيني: عند شرحه للحديث في الجزء الأول صفحة 243: (حدثنا (عمرو بن خالد) قال حدثنا (زهير) قال حدثنا (أبو إسحاق) عن (البراء) أن النبى كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده أو قال أخواله من الأنصار وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك) ....
بيان الإعراب قوله" كان أول ما قدم المدينة .... قوله فداروا الفاء فيه تسمى الفاء الفصيحة أي سمعوا كلامه فداروا كما في قوله تعالى أن اضرب بعصاك الحجر فانفجرت (الأعراف 160) أي فضرب فانفجرت والفاء الفصيحة هي التي تدل على محذوف هو سبب لما بعدها "
أقول: (أوردت الشاهد في المسألة فقط فقد أعرب المؤلّف الحديث إعرابا تفصيليّا واسعا لا يتسع له المقام)
وقد أورد العيني الفاء الفصيحة في إعرابه لأحاديث أخرى لا يتسع المقام لذكرها فإن شئت أوردتها لك.
وجاء في كتاب البرهان في علوم القرآن
المؤلف: محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي , في الجزء الثالث , صفحة 183:" وقوله فالله هو الولي 7 تقديره إن أرادوا أولياء فالله هو الولي بالحق لأولى سواه حذف جواب الشرط قوله إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني اسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم 1 أي أفلستم ظالمين بدليل قوله عقبه إن الله لا يهدي القوم الظالمين 1 وقدره البغوي من المحق منا ومن المبطل ونقله عن أكثر المفسرين
ومن حذف جواب الفعل اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآيآتنا فدمرناهم 2 تقديره فذهبا إليهم فكذبوهما فدمرناهم والفاء العاطفة على الجواب المحذوف هي المسماة عندهم بالفاء الفصيحة
وقال صاحب المفتاح وانظر إلى الفاء الفصيحة في قوله تعالى فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم 3 كيف أفادت ففعلتم فتاب عليكم
وقوله اضربوه ببعضها 4 تقديره فضربوه فحيى كذلك يحيى الله الموتى "
وقد ذكرها الألوسي في كتابه روح المعاني مرارا وتكرارا , قال في كتابه في الجزء الأول صفحة 270 عند تفسير الآية السابقة 60 البقرة: (فأنفجرت منه إثنتا عشرة) عينا عطف على مقدر أي فضرب فأنفلق ويدل على هذا المحذوف وجود الإنفجار ولو كان ينفجر دون ضرب لما كان للأمر فائدة وبعضهم يسمى هذه الفاء الفصيحة ويقدر شرطا أي فإن ضربت فقد أنفجرت وفي المعنى أن هذا التقدير يقتضي تقدم الإنفجار على الضرب إلا أن يقال: المراد فقد حكمنا بترتب الإنفجار على ضربك ... "
وقد أوردها الألوسي في مواضع أخرى من كتابه فإن شئت أوردتها لك
وقد أوردها آخرون كالشوكاني , وأبي السعود وغيرهما , فإن شئت أوردت لك ما ذكروه , ولكن اكتفيت بذلك خشية الإطالة
أرجو أنّي أفصحت فأبنت فأصبت , فإن كان ذلك فأمر من الله وإن كانت الأخرى فمنّي ومن الشيطان , ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله
ـ[أبو العباس المقدسي]ــــــــ[30 - 03 - 2008, 03:33 م]ـ
¥