تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[اللغة العربية في جامعة الملك سعود]

ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[17 - 04 - 2009, 04:58 م]ـ

هذا عنوان التعقيب الذي تفضل بكتابته حبيبنا أبوقصي فيصل المنصور عن موضوع كتبته في هذا المنتدى ثم نشر في المجلة الثقافية فجزاه الله عنا خير الجزاء، ورأيت أن أنشره في الفصيح وإن كان منشورًا في ملتقى أهل اللغة.

[اللغة العربية في جامعة الملك سعود]

إنها عقدة النقص

فيصل بن علي المنصور

بين يديَّ مقال كتبه الدكتور أبو أوس الشمسان في عدد الثقافية ذي الرقم (276) أنكر فيه قرار جامعة الملك سعود، القاضيَ بنَسْخ افتراض موادّ العربيَّة على طلابِها. وقد كانت قبلُ مفترَضةً عليهم. ولو أوتيت الجامعةُ من الجرأة أكثرَ مما أوتيتْ، وجرَت على طبيعتِها لألغت هذه الموادَّ إلغاءً تامًّا؛ ولكنه يحجِزها عن ذلكَ شيءٌ من الحياءِ؛ والحياءُ خيرٌ كلُّه.

وهي معَ ذلكَ لا تتردَّد أن تزيدَ في دروس الإنجليزية ما وسِعها ذلكَ. وأحسبها لولا الحياءُ أيضًا لافترضت على طلابِها دِراسةَ العربيَّةِ بالإنجليزيَّة!

ما دامَ سوق العمل كما زعموا يتطلَّب ذلك.

ثمَّ لا تبالي الجامعة من بعدُ عاقبةَ هذه القراراتِ غير المدروسة على الأمَّة. ولا يعنيها أن يخرجَ جيلٌ من وراء ذلك مقطوعُ الصِّلة بتراثِه، مستلَبُ الوَلاءِ لحضارتِه، ملفَّقُ الثقافة؛ لا هو بالذي نالَ علمَ أمَّته، ولا هو بالذي أحاطَ بعلوم الأمم الأخرى، كما قال أحمد الزين في العقاد:

يحاول شعر العرب؛ لكن يفوته ... ويبغي قريضَ العُرب؛ لكن يُقصِّرُ

وقد كنا ننتظر من هذه الجامعة وغيرها أن تكونَ ظهيرًا للعربيَّة، وموئلاً لها، وقد ترَى ما تلاقيه في هذا الزمانِ من التضييق، وما أُحيطَ بها من البلاءِ، والمكرِ السيِّئ. وقد ترَى أيضًا صدودَ أبنائها، وإعراضَهم عنها. كنَّا ننتظرُ منها ذلك؛ فإذا هي معَها على حالٍ لا تَسرُّ كلَّ محبٍّ لأمته، غيور عليها، ساعٍ في نهضتها، ورقيِّها؛ فلم ترضَ أن تتركَها تقاسي ضعفَها، حتى زادتها ضعفًا على ضعفٍ، وخذلتْها أشدَّ ما تكونُ حاجةً إلى النُّصرةِ؛ حالُها حال الحماسي القائل:

أعانَ عليَّ الدهرَ إذ حكَّ بَرْكَه ... كفى الدهرُ لو وكلتَه بي كافيا

مسكينةٌ أنت أيتها العربيَّة!

أوكلَّما أحسَّ ناقصٌ فشلَه، رجعَ عليكِ بالملامةِ، وردَّ إليكِ الأسبابَ، ونحَّاكِ عن طريقِه؛ كأنه لا يبلُغُ العَلاءَ، ولا يصيبُ المجدَ إلا إذا قطعَ معرفتَه بكِ، ورفعَ يدَه عن بِرِّكِ. وقد علموا جميعًا، ما لكِ إليهم من ذنبٍ، ولا لكِ يدٌ في فشلِهم؛ ولكنَّهم كرِهوا أن يكاشفوا أنفسَهم، ويفتشوا عن عيوبِهم؛ فلم يجِدوا أضعفَ منكِ ناصرًا، وأقلَّ عددًا؛ فحمَّلوك جريرةَ غيرِكِ:

كالثور يُضرَب لما عافتِ البقَرُ

ولو نظروا إلى الأمم المتحضّرة التي يأخذون أنفسَهم باتباعها، لوجدوها جميعًا تفتخرُ بلغاتِها، وتعتزُّ بها، ولا تفتأ تسارعُ في تحصينِها، وحياطتها، وطلبِ السلامة لها، لعلمِهم أنَّ اللغةَ مكوِّن رئيس من مكوِّناتِ الحضارة، وأنه لا يمكِن أن تنهضَ أمَّة إلا إذا كانَ لها ماضٍ تصِل به حبالَها، وتتكئ عليه في نهوضها:

وما فخرُ مَن ليست له أوليَّةٌ ... تُعَدّ إذا عُدَّ القَديمُ ولا ذكرُ

وقد قلتُ من قبلُ: (ليس شيءٌ أضرَّ على الأمم، وأسرعَ لسقوطها من خذلان أبنائها للسانها، وإقبالهم على ألسنة أعدائها).

ولكنَّها عقدة النقصِ في بني قومي؛ تراهم لا يزالون يخادعون أنفسَهم عن تلمُّس الأسبابِ الصحيحةِ للفشل الذي هم مرتكسون فيه. ويخالفون إلى غيرِ السبيلِ الذي يفضي بهم إلى التقدُّم. وقد كانَ يحسنُ بهم أن يتأنَّوا في ذلكَ، ويستشيروا أهلَ الرأيِ من المخلصين الناصحين؛ فربَّ زلَّةٍ يسيرةٍ لا يُلتفتُ لها لا تزال تعمل عملَها حتى تكونَ في ما بعدُ سببًا من أسبابِ سقوط الأمة. وهذا القرار إنما هو حلقة واحدة من سلسلةٍ عرفنا طرفَها الأول، ولسنا نعلمُ أين ينقطع طرفُها الآخَرُ! ومن قبله ألزموا طلاب الدراسات العليا أن تكون دِراستُهم للعربيَّة في بلاد غير عربيةٍ. ودونك؛ فاعجبْ!

فهل أصرِّح عن السبب الحقِّ وراءَ هذا الفشلِ؟

ليس السببُ اللغةَ؛ ولكنه بكلمةٍ واحدةٍ: إسنادُ أمرِ التعليم إلى غير أهله، وإقصاءُ أهلِه عنه. وإلا ففي أبناء هذه الأمةِ -لو وجدوا معينًا- مَن هو قادرٌ على أن يأتيَ بأعظمَ ممَّا جاءَ به الغربُ في الدراسات اللغوية، ومَن في مكِنته أن يجدِّد في علوم العربيَّة تجديدًا يلائِم طبيعتَها، وينشقُّ من داخلِها؛ ولكنْ (لكلّ جديدٍ لذة)، و (لكلّ داخلٍ دهشة)، ثم ترجع الأمور بعدُ إلى مواضعها؛ {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ}. ويومَ إذٍ يعلمون أن هذه النظرياتِ الغربيةَ التي يتهافتون عليها ما هي إلا سرابٌ بقيعةٍ.

وبعدُ:

فلا يغيب عني أن أشكركلَّ الشكر للدكتور أبي أوس على ما كتب؛ فقد عهدتّه غيورًا على لغتهِ، طويل الهَمّ لها، بعيدَ المطمح فيها. وحسبُه أنه تكلَّم حيث سكت الآخَرون.

faysalmansour*************

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير