قبل الحديث عن معاني الآيات الذي تنطوي عليها هذه السورة لا بد من تعريف عام لهذه السورة، سورة التين تؤكد أن الإنسان يستطيع أن يسمو إلى أعلى عليين إذا هو عرف ربه وأطاعه وعمل الصالحات تقرباً له وإذا ضل عنه وعصاه يهوي إلى أسفل سافلين، فحياة الإنسان إما أن تكون في أعلى عليين وإما أن تكون في أسفل سافلين لذلك الإمام علي كرم الله وجهه قال: ركب الملك من عقل بلا شهوة وركب الحيوان من شهوة بلا عقل وركب الإنسان من كليهما فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان.
إما أن تكون في أعلى عليين فوق الملائكة المقربين، وإما أن يكون الإنسان الضال في أسفل سافلين دون أحط الحيوانات قدراً. الله سبحانه وتعالى يقول:
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية
(سورة البينة: آية 7)
أي خير ما برأ الله.
إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية
(سورة البينة: آية 6)
أي شر ما برأ الله، ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين.
(سورة التين)
التين هو التين الذي نأكله والزيتون هو الزيتون الذي نعصره، وقد يأكل الإنسان الطعام ولا يفقه ماذا يأكل، ولا يعرف قيمة ما يأكل ولا يعرف عظمة الله عزوجل من خلال هذا الذي يأكله.
هل نظرت إلى التين؟
إن كل بذرة في التينة يمكن أن تكون شجرة، ما أدق هذه البذرة، فيها رشيم وفي الرشيم حياة، فإذا ذهبت تعد عدد بذرات التينة الواحدة، كل بذرة يمكن أن تكون شجرة، وإذا ذهبت تعد عدد الثمرات التي تحملها الشجرة في العام وتضربها بعدد البذرات، هذا عطاؤنا.
الله سبحانه وتعالى تفضل علينا بنعمة الإيجاد وعن طريق التوالد والبذور، تفضل علينا بنعمة الإمداد، نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد.
" النبي صلى الله عليه وسلم فيما تروي الأحاديث أهدي إليه سل تين، فقال كلوا وأكل منه وقال لو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذه لأن فاكهة الجنة بلا عجم."
يعني بلا نوى.
انظر إلى التينة وهي خضراء قاسية لو تذوقتها لرأيت لها طعماً حريفاً حاداً انظر إليها وقد اصفر لونها وسال عسلها وعذب طعمها وصار كالعسل ولان ملمسها، ونمت في الجبال بلا عناية ولا سقي ولا شيء من هذا القبيل، فهذه آية من آيات الله سبحانه وتعالى.
ذكر التين وأراد كل فاكهة نأكلها، هل فكرت فيها كيف صممت، العلماء أحياناً يقعون في شيء اسمه كفر مبطن، يقول هذه البذرة مبرمجة.
قال لي رجل من أهل العلم أن هذه البذرة مبرمجة بمعنى كل خلية من خلاياها فيها نواة وفي النواة محفظة فيها تعليمات تسميها كروزومات، تسميها جينات، تسميها مورثات، قال هذا الرجل المتعلم المختص بهذا الموضوع لو أردنا أن نترجم هذه التعليمات إلى لغة لاضطررنا أن نكتب هذه التعليمات في مجلدات تعادل دائرة المعارف، يعني عشرون ثلاثون مجلد وكل مجلد ألف صفحة.
بعض العلماء قال هذه التعليمات تزيد عن خمسة آلاف مليون أمر، هذه التعليمات في محفظة في نواة، هذه النواة في الهيلولة، وهذه الهيلولة في الخلية.
العالم كلما رأى بذرة يقول لك مبرمجة أي عندما تزرعها تنبت تيناً لخشبها شكل، لأغصانها شكل، لأغصانها لون، للأوراق لون خاص، لملمس الأوراق ملمس خاص، ذات طبيعة خاصة وطبع مميز، لها أوقات نضج، تحتمل الحر والقر، تنبت في المرتفعات والمنخفضات، هذا معنى مبرمجة فهذه البذرة تنتج تيناً، وهذه البذرة تنتج زيتوناً، على مستوى الأزهار ترى البصل لونه واحد ومع هذا هذه البصلة تنتج وردة بيضاء، وهذه البصلة زهرتها حمراء قانية، وهذه البصلة زهرتها حمراء غير قانية.
يعني مبرمجة، هذه البذرة فيها تعليمات، تعليقاً على هذا الكلام الذي يقوله العلماء أضرب مثلاً:
لو أردنا أن نبني بناءً واستخدمنا مهندسين من أرقى المستويات وقلنا لهذا المهندس ضع لنا مخططاً للأساسات ولهذا احسب لنا نسب الإسمنت والحديد ولهذا المهندس ارسم لنا شكل البناء ولهذا المهندس هندس المجاري، ولهذا المهندس هندس الكهرباء وجمعنا هذه الخرائط الصحيحة الدقيقة التي بذل فيها أصحابها الساعات الطوال والإبداع الرائع ووضعناها فوق بعضها بعضاً كيف يظهر البناء؟
¥