لذلك كله , ولغيره الكثير مما لا نعلم من أسرار الزيتون يروي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عن رسول الله (صلي الله عليه وسلم) أنه قال:
كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة.
وكذلك يروي عن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) أنه قال: سمعت النبي (صلي الله عليه وسلم) يقول: نعم السواك الزيتون , من الشجرة المباركة , وهي سواكي وسواك الأنبياء من قبلي.
ومن هنا كان القسم القرآني بالزيتون , وكان ذكره وذكر زيته في سبع مواضع مختلفة من كتاب الله , والزيتون وزينة غنيان بالدهون والبروتينات فقيران في الكربوهيدرات (السكريات والنشويات) , بينما التين غني بالسكريات والمركبات النشوية وفقير في المواد الدهنية والبروتينية ومن هنا كان التين والزيتون معا يكملان حاجة الإنسان من المواد الغذائية , ومن هنا أيضا كان القسم بهما معا في مطلع سورة التين , وهي لفتة علمية معجزة في كتاب أنزل من قبل ألف وأربعمائة من السنين.
ثالثا: القسم بطور سينين:
وهو طور سيناء أو جبل موسي أو جبل المناجاة الذي أنزلت فيه التوراة علي موسي (عليه السلام) , وقد ذكره ربنا تبارك وتعالي في اثنتي عشرة آية من آيات القرآن الكريم (البقرة:93,63, النساء:154, الأعراف:171,143, مريم:52, طه:80, المؤمنون:20, القصص:46,29, الطور:1, التين:2) , وسميت باسمه إحدي سوره (سورة الطور) , وهو بالقطع وسكان مبارك , جدير بالقسم به , ويبقي لعلماء الأرض دراسته لإثبات ما به من معجزات حسية باقية عن عملية دكه , ورفعه ونتقه فوق الحثالات العاصية من بني إسرائيل كما جاء في أكثر من آية من آيات القرآن الحكيم.
رابعا: القسم بالبلد الأمين:
وهو مكة المكرمة , وبها الكعبة المشرفة , أول بيت وضع للناس , وقد روي عن رسول الله (صلي الله عليه وسلم) قوله الشريف: كانت الكعبة خشعة علي الماء , فدحيت منها الأرض مما يفيد بأن الأرض تحت الكعبة المشرفة هي أول يابسة ظهرت علي وجه ماء المحيط الغامر الذي بدأت به الأرض , ثم نمت اليابسة من حول هذه البقعة المباركة لتكون قارة واحدة هي القارة الأم المعروفة باسم بانجيا ( Pangaea), والتي تفتتت إلي القارات السبع الحالية. وكانت تلك القارات السبع أقرب إلي بعضها البعض ثم أخذت في الانزياح متباعدة عن بعضها البعض أو التصادم مع بعضها البعض حتي وصلت إلي أوضاعها الحالية , وقد ثبت علميا توسط مكة لليابسة في كل مراحل نمو تلك اليابسة بمعني أننا إذا رسمنا دائرة مركزها مكة المكرمة فإنها تحيط باليابسة تماما , ولذلك قال ربنا (تبارك وتعالي):
إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين. (آل عمران:96)
والآيات القرآنية الكريمة التي تقابل الأرض (علي ضآلة حجمها) بالسماء (علي ضخامة أبعادها) تشير إلي مركزية الأرض من الكون , وكذلك الآيات التي تتحدث عن البينية الفاصلة للسماوات عن الأرض , وتلك التي توحد أقطار السماوات والأرض.
وإذا كانت الأرض في مركز الكون , والكعبة المشرفة في مركز الأرض الأولي (اليابسة) , ومن دونها ست أرضين , ومن حولها سبع سماوات فإن الكعبة المشرفة تصبح في مركز / مركز الكون , ولذلك قال المصطفي (صلي الله عليه وسلم): إن الحرم حرم مناء بين السماوات السبع والأرضين السبع).
وأكد ذلك بقوله (صلي الله عليه وسلم): يا معشر قريش , يا أهل مكة إنكم بحذاء وسط السماء وبسؤاله الشريف لصحابته الكرام: أتدرون ما البيت المعمور؟ قالوا: الله ورسوله أعلم , فقال (عليه الصلاة والسلام): هو بيت في السماء السابعة بحيال الكعبة تماما حتي لو خر لخر فوقها , يدخله كل يوم سبعون ألف ملك فإذا خرج آخرهم لا يعودون.
هذه الكرامات كلها جعلت من مكة المكرمة قبلة للمسلمين , ومحجا ومعتمرا لهم , وجعلت الصلاة فيها بمائة ألف صلاة , وجعلتها مهوي للأنبياء والمرسلين كما ذكر المصطفي (صلي الله عليه وسلم) فقال: كان النبي من الأنبياء إذا هلكت أمته لحق بمكة فتعبد فيها النبي ومن معه حتي يموت , فمات بها نوح , وهود , وصالح , وشعيب وقبورهم بين زمزم والحجر (الأزرقي ـ أخبار مكة).
ودفن بها كل من إسماعيل (عليه السلام) وأمه السيدة هاجر (رضي الله عنها) وهما مدفونان في حجر إسماعيل.
واختار الله (تعالي) مكة المكرمة مولدا ومبعثا لخاتم الأنبياء والمرسلين (صلي الله عليه وسلم) , وأقسم بها في كل من سورة التين , وسورة البلد التي سماها باسمها , وأطلق عليها وصف أم القري أي أصل اليابسة , وأم الأرض كلها , ومن هنا كانت جدارتها للقسم بها وبوصف البلد الأمين في سورة التين. وبالإسم المطلق البلد في سورة البلد.
هذه الحقائق العلمية عن كل من التين والزيتون , وعن مكة المكرمة , البلد الأمين , والحقائق التاريخية والدينية عن نداء الله (تعالي) لعبده ونبيه موسي بن عمران (عليه السلام) من جانب الطور الأيمن لم تكن معروفة لأهل الجزيرة العربية , ولا لأحد من الخلق في زمن الوحي من قبل ألف وأربعمائة من السنين , ولا لقرون متطاولة من بعده , والقسم بها في سورة التين مما يقطع بأن القرآن الكريم لايمكن أن يكون صناعة بشرية , بل هو كلام الله الخالق (سبحانه وتعالي) , ويجزم بنبوة النبي الخاتم والرسول الخاتم (صلي الله عليه وسلم) , وبأنه كان حتما موصولا بالوحي , ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض , فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين , فالحمد لله علي نعمة القرآن , والحمد لله علي نعمة الإسلام , والحمد لله علي الدوام إلي أن نلقاه وهو راض عنا إن شاء بفضله , وجوده , ومنه , وعطائه , ورحمته , وهو (سبحانه) أرحم الراحمين , وأكرم الأكرمين , وهو (تعالي) يقول الحق ويهدي إلي سواء السبيل.
¥