تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ففي تعريف التشبيه هنا رؤية له في سياق غرض المبدع من التشبيه وهو الوصف أي التصوير، وكان المصطلح غائباً، والمعنى حاضراً في سياق الكلام، فجعله وصفاً على أنه صورة توافق غرضاً هو الوصف لإشباع الرغبة في الفن والجمال بالصورة أو التصوير؛ ليستمتع بالتصوير ويمتع غيره بالصورة التي يقدمها منجزة في إبداعه الفني.

ورأى التشبيه بمكوناته الخمسة وهي: طرفاه المشبه والمشبه به، ومن غير اجتماعهما صراحة أو تقديراً لا يسمى تشبيهاً، فحصول التشبيه لا يقع من غير اجتماعهما.

و وجه الشبه ليكشف عن موقع الاجتماع بين المشبه والمشبه به على جهة محسة أو جهة من جهات المعنى فالموقع المحس هو الظاهر المكشوف لحاسة من الحواس الخارجية، والاجتماع على معنى مدرك بحاسة من الحواس الداخلية، وقد يلد المعنى من المحس، وقد يتجسم المعنى فيتحول إلى محس، فكأنها عملية ارتجاعية في مرونتها الحركية من جهة إلى أخرى.

والغرض ليصح التشبيه فلا يكون لغواً إذا أجري لغير سبب ظاهر أو باطن أو مفترض خيالاً أو ذهناً، وينبغي للتشبيه أن يرعى مقتضى الحال التي اجتلبته من عالم النفس بعد الانفعال إلى عالم الحس. وأداة التشبية لتكون جسر الصلة بين ركني التشبيه المشبه والمشبه به. فهو من المتون التعليمية النافعة للطلبة التي تحاول التفصيل من غير إطالة أو إملال.

وأما أحمد الهاشمي فقد قال: ((التشبيه أول طريقة تدل عليها الطبيعة لبيان المعنى، وهو في اللغة التمثيل، وعند علماء البيان: مشاركة أمر لأمر في معنى بأدوات معلومة كقولك: العلم كالنور في الهداية .. فالعلم مشبه، والنور مشبه به، والهداية وجه الشبه، والكاف أداة التشبيه، فحينئذ أركان التشبيه أربعة: مشبه ومشبه به، ويسميان طرفي التشبيه، ووجه الشبه (الهداية)، وأداة التشبيه ملفوظة أو ملحوظة.)) [15]

جمع الهاشمي المعنى اللغوي والاصطلاحي ورؤيته إلى التشبيه على أنه طريقة لا غاية ولا هبة ربانية بل جزء مما هدت الطبيعة الإنسان إليه، والطبيعة هنا بمعنى الحاجة. وبتعريفه ينفتح الباب لدراسة أقسام التشبيه المذكورة في حد الهاشمي قسماً ليتم بذلك تصور تام للشبيه، ولتظهر مقدمات أنواعه المختلفة باختلاف الأقسام التي يوضع النوع في ضوئها، ولكل قسم أنواعه التي أخذت تسميتها من أحوال هذا القسم إثباتاً أو حذفاً.

ركنا التشبيه:

للتشبيه ركنان أساسيان هما المشبه والمشبه به، ومعنى أنهما ركنان يعني أن التشبيه لا يكون إلا بهما معاً، فإن حذف أحدهما صار الكلام استعارة، ودراستهما من جهة المادة والمعنى، أو الحسي والعقلي، فالحسي مادة والعقلي معنى. وهو أنواع منها:

1. أن يكونا حسيين: كل منهما محسوس بحاسة من الحواس الخمسة أو أكثر، من ذلك قول الله – عز وجل-: ? وعندهم قاصرات الطرف عين كأنهنَّ بَيض مكنونٌ? [16] فأركان التشبيه هي: (هنَّ) مشبه يعود على النساء (قاصرات الطرف) عفة لا عجزاً، واسعات العيون لا ضيقات. والمشبه به (البيض المكنون) وأداة التشبيه (كأنَّ) ووجه الصيانة والحماية والعفة بطواعية وفطرة واضطرار دون اختيار، فهن في هذا كحال البيض المكنون بالقشرة أي المحمي بها، وفي القشرة حماية وبياض ونعومة أي جمال باضطرار دون اختيار. واضح أن المشبه (قاصرات الطرف عين) مما تقع عليه حاسة البصر واللمس، وكذلك المشبه به (بيض مكنون) مما تقع حاسة البصر وحاسة اللمس. ومن ذلك قولك: أنتَ كالشمسِ في الضياءِ، فقد اجمتع المشبه (أنت) والمشبه به (الشمس) وأداة التشبيه (الكاف) ووجه الشبه (الضياء) والغرض إظهار حال البشر التي تظهر في ضياء الوجه حسناً وجمالاً. وفي المشمومات قال التهامي [17]:

لو لم يكنْ أُقحُوَاناً ثَغرُ مَبسَمِهَا

ما كان يزدادُ طيباً ساعة السحرِ

وفي المسموعات كقول أبي الطيب المتنبي [18]:

وَدَعْ كُلَّ صوتٍ بعدَ صوتي فإنني

أنا الصائحُ المحكيُّ والآخَرُ الصدى

وقد يركب بعضها مع بعض، كقول كثير عزة [19]:

وما روضةٌ بالحزن طيِّبةُ الثَّرى

يَمُجُّ الندى جَثجَاثُها وعَرَارُها

بأطيب من أردانِ عزةَ مَوهِنَاً

وَقَد أوقدت بالمَندَل الرطب نارُها

كأنَّ على أنيابها بعد هجعةٍ

إذا ما نجومُ الليلِ حان انحدارُها

مُجاجةَ نَحلٍ صُفِّقَتْ بِمُدَامةٍ

مُقَطَّرَةٍ صَهباءَ طابَ اعتصارها

أُديف عليها المسكُ حتى كأنما

لطيمة داري يُفَتَّقُ فارُها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير