2_ وإما حسي وخيالي كقول الشاعر [1]:
وكأنَّ مُحمرَّ الشَّقيقِ إذا تَصَوَّبَ أو تَصَعَّدْ
أعلامُ ياقوتٍ نُشِرْنَ على رماحٍ من زبرجدْ
3 - وإما وهمي وحسي كقول البحتري يصف بركةً [2]:تَنْصَبُّ فيها وفودُ الماءِ مُعجلةً
كالخيلِ خارجةً من حبلِ مُجريها
4 - وإما عكسه كقول امرئ القيس [3]:
أتَقتلني والمُشرفيُّ مضاجعي ... ومسنونةٌ زرقٌ كأنيابِ أغوالِ
5 - وإما عقلي وحسي كقولك:
العلم كالنور، وكقول أبي العلاء [4]:
وكالنار الحياةُ فَمِنْ رَمادٍ ... أواخرها وأولها دُخانُ
6 - وإما عقليان كقولك: الضلال كالعمى، وكقول الشاعر [5]:
أخو العلمِ حَيٌّ خالدٌ بعدَ موتهِ ... صالهُ تحتَ التُّرَابِ رميمُ
وَذُو الجهلِ مَيْتٌ وَهْوَ ماشٍ على الثرى ... ـنُّ مِنَ الأحياءِ وهْوَ عديمُ
وقد صاغها السيوطي [6] في خمسة أنواع هي:
أ - تشبيه ما تقع عليه الحاسة بما لا تقع عليه اعتماداً على معرفة النقيض والضد كقوله تعالى: ?طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ? [7] ما تقع عليه الحاسة هو الحسي أو المادي، وما لا تقع عليه الحاسة هو العقلي أو المعنوي، فقد شبه (طلع شجرة الزقوم) بما لا يشك أنه منكر قبيح (رؤوس الشياطين) وإن لم ترها العيون أو تدركها الحواس، ومنه قول امرئ القيس: / ومسنونة زرق كأنياب أغوال/ فالحراب المسنونة (وهي مما تقع عليه الحاسة) حادة قاطعة كأنياب الأغوال التي لم تقع عليه الحاسة، ولا يشك في أنها قاطعة حادة إلى القسوة.
ب - تشبيه ما لا تقع عليه الحاسة بما تقع عليه: وهي الحال المعاكسة في الترتيب للسابقة، إذ قدم ما لا تقع عليه الحاسة (العقلي أو المعنوي) على ما تقع عليه الحاسة (الحسي أو المادي) وجعل من ذلك قول الله تعالى: ? والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء .. ? [8] فقد جعل إيمانهم كسراب فأخرج ما لا يحس وهو الإيمان (وقد عبر عنه بالعمل) إلى ما يحس وهو السراب، والمعنى الجامع بطلان التوهم مع شدة الحاجة وعظم الفاقة.
ت - إخراج ما لم تجرِ به العادة إلى ما جرت به: ? وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ? [9] والجامع بينهما الارتفاع في الصورة. أما نتق الجبل فمعجزة لم تجر بها العادة ذلك أنها خرق للنواميس لا يقدر عليها سوى صاحب الناموس جلت قدرته، فجعل ذلك كالظلة وقد جرت العادة بها، ولو شاء لجعلها مما يجري به العادة، وكسر الناموس لدفع فكرة الحتمية الطبيعية عند وقوع المشيئة الربانية.
ث -إخراج ما لا يعلم بالبديهة إلى ما يعلم بها: ?سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ? [10] والجامع بينهما العظم، وفائدته التشويق إلى الجنة بحسن الصفة، وإفراط السعة.
ج - إخراج ما لا قوة له في الصفة إلى ما له قوة فيها من ذلك قوله تعالى: ?وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ? [11] والجامع بينهما العظم، وفائدة التشبيه إبانة القدرة على تسخير الأجسام العظام التي ليس فيها صفة الحركة إلى ما له هذه الصفة كالماء
طرفا التشبيه من جهة الإفراد والتركيب:
هما نوعان مفرد (بسيط) ومركب، أما المفرد ما كان الطرف فيه بسيطاً أي ما كان مؤلفاً من عنصر واحد غير قابل للتعدد أي التجزئة، من ذلك: وجهك كالشمس، ففيه المشبه (وجهك) مفرد بسيط، والشمس مفرد بسيط، وهو المشبه به ويسمى المفرد المطلق من القيود، أما المفرد المقيد نحو: الساعي بغير طائل كالراقم على الماء، فالساعي بغير طائل من سعيه، وهو المشبه، يعد عنصراً بسيطاً أو مفرداً بلغة القدماء مقيداً بقوله (بغير طائل)، والراقم وهو الطرف الثاني أي المشبه به عنصر بسيط مقيد بقوله (على الماء). أو مختلفان الأول من غير قيد والآخر مقيد: ثغره كاللؤلؤ المنظوم، فثغره بسيط مفرد مطلق من القيد، واللؤلو منظوم، واللؤلؤ مفرد بسيط لكنه قيد بقوله: المنظوم. والعين الزرقاء كالسنان، فالعين طرف بسيط قيد بوصفها (الزرقاء) و السنان طرف بسيط أطلق من أي قيد.
¥