وفى أشد العذاب مجاز مرسل علاقته الحالية فقد ذكر الحالّ وهو العذاب الشديد وأراد المحل وهو أشد دركات النار سوءا بالمكذبين وهى صورة توحى بشدة العذاب الواقع لفرعون وأتباعه 0
ويبدو لنا آل فرعونأشد العذاب فى الآخرة وذلك بسبب تجرؤ فرعون على الذات الإلهية وتجبره وادعائه الألوهية وتاييد قومه له ون شاركهم فى هذه الدرجة أقوام آخرون كقوم نوح "مما خطيئاتهم أُغرقوا فأُدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا" فهذه صورة أخرى تتعانق مع الصورتين السابقتين 00صورة الكافرين المعاندين أصحاب الحياة اللاهية الذين يغرقون بالطوفان وعند غرقهم يفاجئون ببحور من النيران تقتحم أجسامهم 00 وينادى على أصحابه ويصيح ولكن لا أحد يجيب استغاثاته إذ أن الكل مشغول بنفسه00
أنظر لى الجمال كيف يتشكل فى الآية الكريمة ووإلى البراعة فى التصوير وإلى الإجادة فى المطابقة والتأدب فى التعبير، صورة الخطايا التى تؤدى إلى الغرق والغرق الذى يؤدى إ لى دخول النار ثم مشهد الاستغاثة الجميل الذى يصور لنا ضياع الانصار فى ذلك اليوم العصيب ولاحظ معى تدبيج المقابلة بنوعيها بحسن التقسم والبراعة فى الترتيب000فالخطايا تؤدى إلى الغرق الذى يقود إلى دخول النار وعدم وجود أنصار00 فصور المخطئين أحصتها الآية فى الثلاثة أنواع وهذا ما يسمونه بحسن التقسيم بيد أنه جاء مرتبا موشّىً بالمقابلة بين حياة اللهو والموت غرقا وحياة العذاب فأى جمال هذا وفى أى مصنع لغوى صيغ هذا الكلام!
وانظرإلى الفاء التى أكسبت المعانى المتعاقبة السرعة فهم بمجرد عملهم للسيئات أغرقوا وبمجرد غرقهم أدخلوا نارا000
ولاحظ معى رقة القرآن وأدبه فى التعبير بالخطايا والسيئات " لا تحقرن من المنكر شيئا فالجبال تتكون من الحصى "0
ونلمح هنا أيضا إيجازا عن إجرام هؤلاء المفسدين وحوار وتعليل يصور لنا لماذا استحق آل فرعون أشد العذاب00
وقد ملح القرآن حين عبر بـ"نارا" فتنكير نارا أفاد الشمول والعموم أى جميع نيران الآخرة سواء أكانت نار القبر الملمح عنها بدخول الفاء الدالة على السرعة وتنكير النا ر يعنى بالضرورة تعدد ها واختلافها0
إنها رسالة إلى عابدى الأوثان بجميع صورها 00إلى كل من يقدسون فكرة ويعطونها إحدى درجات العبودية00
حطموا الأوثان التى فى عقولكم ونفوسكم بشتى صنوفها سواء أكانت بسبيل العادة أم بغير سبلها 0
إنها رسالة إلى هؤلاء الذين يقدسون العادات الفرعونية والفينيقية من أبناء العرب وإلى أمثال الذين يفتخرون بحمل شعلة الأولمبياد تمجيدا لذكرى آلهة اليونان القديمة 00
هؤلاء الذين ترتعش نفوسهم أمام حقائق الحياة، هؤلاء الذين يلغون العقل من كثرة المقدسات التى تشلّ من حركته 00
هؤلاء الذين يصنعون لانفسهم آلهة غير محسوسة متوهمين أنهم يعيشون تحت الشمس هكذا قاتهم أوهامهم بأصنافهم المختلفة00 أقول لكم كل شىء ثابت فى تصوراتكم لا بدّ أن يتحرك ويتبدل وضعه ما دام غير مرتبط بالله صاحب الحقائق الكلية المطلقة0
وليبدوالنص القرآنى واضحا فى تعبيره وصوره وإيحائه عن عذاب القبر، إضافة إلى إفادة تقديم النار وبناء الفعل الدال على الجمع للمجهول وهو مضارع لجماعة الغائبين يفيد لاستمرار للعرض على النار ,ان النار هى الشىء الموجود ذو الشأن العظيم أما هم فمجرد حطب 000حطب فقط وهل يذكر من الحطب إلا بيان أ نواعه وقد قال إنهم آل فرعون 0000ياللفاجعة!! رمسيس ورفاقه من متجبرة المصريين القدماء وأتباعهم الذين نتباهى بهم كمثل عليا أعواد من حطب!!!
إنهم فى نظر القرإن جماعة غائبة يستمر عليها العذاب الأليم والمتواصل دون انقطاع 00 ألم يضفى هؤلاء على حاكمهم بعضا من صفات الألوهية وأعلن فرعون الحرب على الله حين قال أنا ربكم الأعلى " وما علمت لكم ما إله غيرى فأوقد لى يا هامان على الطين لعلى أطلع إلى إله موسى"
رذالة وتبجح مع الذات العليا بل وقصور نظر فلم يكتف بكفره حتى أشرك قومه المغفلين معه ونطق بأحط كلمات الكفر التى ربما أردته فى النيران أكثر من إبليس نفسه لأن إبليس لم يشرك بالمشيئة الإلهية وعلى كل حال كان هذا الفرعون مريضا بداء العظمة0 عظمة الملك والدم والعقل والمال0
¥