انظر في المثال الخامس إلى الجملتين: " لا " و " بارك الله فيك "تجد أن الأولى على خبرية والثانية إنشائية. وأنك لو فصلت فقلت: "لا باركَ الله فيك " لتوهم السامع أنك تدعو عليه في حين أنك تقصد الدعاء له، و لذلك وجب العدول عن الفصل إلى الوصل. وكذلك الحال في جملتي المثال الأخير، وفي كل جملتين اختلفتا خبرًا وإنشاء وكان ترك العطف بينهما يوهم خلاف المقصود.
القاعدةُ:
(64) يَجبُ الوَصْلُ بيَنَ الجملتين في ثَلاَثَة مَوَاضعَ:
(أ) - إذَا قُصدَ إشرَاكُهمَا في الحُكم الإعرابي.
(ب) -إذا اتْفَقَتَا خَبراً أوْ إنشاء وكانت بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ تَامةٌ، وَلَم يَكُن هُنَاكَ سَبَبٌ يقتضي الفصلَ بَيْنَهُما.
(جـ) - إذَا اخْتلَفَا خَبَراً و إنشاءً وَأوْهَمَ الفَصلُ خِلاف الْمَقصود.
نموذجٌ
لبيان مواضعِ الوصل والفصل فيما يأتي مع ذكر السبب في كل مثال:
(1) قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} (6) سورة البقرة.
(2) وقال الأحنف بن قيس: " لا وفاء للكذوب ولا راحة لحسود ".
(3) وقال تعالى: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} (70) سورة هود.
(4) وجاء في الحكم: كفاء بالشيبِ داءً، صلاحُ الإنسان في حفظِ اللسان.
(5) وينسبُ للإمام علي كرم الله وجهه:
دَعِ الإسْرَافَ مُقْتَصِداً، وَاذْكُرْ فِي الْيَوْمِ غَداً، وَأَمْسِكْ مِنَ الْمَالِ بِقَدْرِ ضَرُورَتِكَ، وَقَدِّمِ الْفَضْلَ لِيَوْمِ حَاجَتِكَ.
(6) و لأبي بكر رضي الله عنه: أَمّا بَعْدُ أَيّهَا النّاسُ فَإِنّي قَدْ وُلّيت عَلَيْكُمْ وَلَسْت بِخَيْرِكُمْ فَإِنْ أَحْسَنْت فَأَعِينُونِي؛ وَإِنْ أَسَأْت فَقَوّمُونِي؛ ..
(7) وقال أبو الطيب:
إنّ نُيُوبَ الزّمَانِ تَعْرِفُني أنَا الذي طالَ عَجْمُها عُودي
(8) لا وكُفيتَ شرَّها. (تجيب بذلك من قال: أذهَبتِ الحُمَّى عن المريض؟)
(9) قال تعالى: {وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134)} [الشعراء/132 - 134].
(10) وقال أبو العتاهية:
قَدْ يدرِكُ الرَّاقِدُ الهادِي برقْدَتِهِ وقَدْ يخيبُ أخُو الرَّوْحاتِ والدَّلَجِ
(11) وقال الغزي يشكو الناس:
يصدُّون في البأساءِ من غير علةٍ … و يمتثلون الأمرُ و النهيَ في الخفض
(12) وقال أبو العلاء المعري:
لا يُعجِبَنّكَ إقبالٌ يريكَ سَناً، إنّ الخُمودَ، لعَمري، غايةُ الضَّرَم
(13) وقال الشاعر:
يقولونَ إني أحملُ الضيمَ عندهم… أعوذُ بربي أنْ يضامَ نظيري
(14) وقال تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} (49) سورة البقرة.
(15) وقال تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم/3 - 5].
الإجابةُ
(1) فصل بين الجملتين، جملة: {سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم}، وجملة {لا يؤمنون} لأن بينهما كمال الاتصال إذ أن الثانية لا توكيد للأولى.
(2) وصل بين الجملتين لاتفاقهما خبرا وتناسبهما في المعنى. ولأنه لا يوجد هناك ما يقتضي الفصل.
(3) فصلت جملة {قالوا} عن جملة {و أوجس منهم خيفة} لأن بينهما شبه كمال الاتصال، إذ الثانية جواب لسؤال يفهم من الأولى كان سائلا سأل: فماذا قالوا له حين رأوه و قد داخله الخوف؟ فأجيب {قالوا لا تخفْ}.
(4) فصل بين الجملتين لأنَّ بينهما كمالَ الانقطاع، إذ لا مناسبة في المعنى بين الجملة الأولى والجملة الثانية.
(5) وصل بين الجمل الأربع لاتفاقها إنشاء مع وجود المناسبة، و لأنه لا يوجد هناكَ سببٌ يقتضي الفصل.
(6) فصل بين الجملتين: " أيها الناس " و "إني وليت عليكم" لاختلافهما خبرا و إنشاء فبينهما كمال الانقطاع، ووصل بين الجملتين:"وليت عليكم "ولست بخيركم " لأنه أريد إشراكهما في الحكم الإعرابي إذ كلتاهما في محل رفع، وإذا كانت الواو للحال فلا يصل.
¥