[أنواع الحشو عند البلاغيين]
ـ[محمد سعد]ــــــــ[04 - 02 - 2008, 06:01 م]ـ
بين أبو هلال العسكري (ت 395هـ) أن "الحشو على ثلاثة أضرب: اثنان منها مذمومان، وواحد محمود" (1). فأحد المذمومين هو إدخالك الكلام لفظاً لو أسقطته منه لكان الكلام تاماً مثل قول الشاعر:
أنعي فتى لم تذرَّ الشمسُ طالعة=ـ يوماً من الدهر ـ إلا ضرّ أو نفعافقوله: (يوما من الدهر) حشو لا يحتاج إليه البيت إلا لإقامة الوزن، أما من حيث المعنى فهو مذموم؛ لأن الشمس لا تطلع ليلاً، ومنه قول بعض بني عبس عن ابن الأعرابي:
أبَعْدَ بني بكر أُؤمِّل مقبلا=من الدهر أو آسي على إثر مُدْبِر
وليس وراء الفوت شيء يرده =عليك إذا ولَّى سوى الصّبر فاصبر
أولاك بنو خير وشرِّ كليهما =جميعاً ومعروفٍ ـ أريدَ ـ ومنكرفقوله: (أريد) حشو وزيادة، وقوله (كليهما) يكاد يكون حشواً، وليس به بأس" (2)
والضرب الآخر المذموم: هو الإتيان بكلام طويل لا فائدة في طوله، ويمكن أن يعبر عنه بأقصر منه3)) مثل قول النابغة الذبياني (4):
تَبَيَّنْتُ آياتٍ لها فَعَرفْتُها=لستَّة أعوامٍ وذا العام سابع
والأفضل قوله (لسبعة أعوام) فحشا البيت بما لا وجه له. وهذه زيادة في الكلام لغير فائدة. وزيادة الحشو نوعان: زيادة متعينة وهي المقصودة في هذا الباب ويطلق عليها حشو، ودلالتها إفساد المعنى كما مرّ من أمثلة، ومنها قول المتنبي (5):
ولا فضل فيها للشجاعة والنّدى=وصبر الفتى لولا لقاء شعوب (6)
فلفظة (الندى) حشو سخيف أفسد المعنى.
وأمَّا عدم إفساد المعنى فقول زهير (7)
وأعلمُ علم اليوم والأمس قبله =ولكنني عن علم ما في غدٍ عمِ
فلفظة (قبله) لم تفسد المعنى ولكنها حشو.
وقول أبي العيال بن أبي عنترة الخفاجي (8)
ذكرت أخي فعاودني=صداع الرأس والوَصَب
فإن لفظة (الرأس) فيه حشو لا فائدة فيه، لأن الصداع لا يستعمل إلا في الرأس، وليس بمفسد المعنى وزيادة غير متعينة بمعنى أن الزائد في الكلام غير متعين ويختص هذا باسم التطويل، كقول عدي بن زيد العبادي (9)
وقَدَّدَت الأديم لراهِشيْه=وألفى قولها كذباً وَمَيْنَاً
فإن الكذب والمين واحد.
أما الضرب المحمود فنحو قول كثير عزّة (10)
لَوَ انَّ الباخلين ـ وأنت منهم ـ =رأوك تعلموا منك المطالافقوله (أنت منهم) حشو إلا أنه مليح ويسمي أهل الصنعة هذا الجنس اعتراض كلام في كلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هلال العسكري، كتاب الصناعتين، تحقيق: علي محمد البجاوي وزميله، المكتبة العصرية، بيروت، 1998م، ص 48.
(2) أبو هلال العسكري، الصناعتين، ص 48.
(3) رجع السابق ص 48.
(4) وان النابغة الذبياني، ص 52.
(5) وان المتنبي، مصطفى سبيتي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1986م، 2/ 73.
(6) دى لأن المعنى لا فضل في الدنيا للشجاعة والصبر والندى لولا الموت، وهذا الحكم صحيح في الشجاعة دون الندى؛ لأن الشجاع لو علم أنه يخلد في الدنيا لم يخش الهلاك في الإقدام فلم يكن لشجاعته فضل، بخلاف باذل المال فإنه لو علم أنه يموت هان عليه بذله. وانظر: الإيضاح في علوم البلاغة، القزويني، تحقيق عبد الحميد هنداوي، مؤسسة المختار، القاهرة، ط 1999، 1ن، ص 174.
(7 شرح ديوان زهير بن أبي سلمى، صنعة الإمام أبي العباس أحمد بن يحيى الشبياني، دار الكتب العلمية، ط 2، 1955م، ص 29.
(8 ابن رشيق القيرواني، العمدة، 2/ 117.
(9 ديوان عدي بن زيد العبادي، تحقيق: محمد جبار المعيبد، دار الجمهورية للنشر والطبع، بغداد، 1965م، ص 183، ويروى (وقدّمت الأديم).
10ديوان كثير عزة، جمعه: إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، 1971م، ص 507.