تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[دلالة المشتق على معناه في استنباط علل الأحكام]

ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 02 - 2008, 02:55 ص]ـ

من القواعد المهمة في معرفة علل الأحكام في باب القياس والتي ترتبط بشكل غير مباشر بعلم المعاني وتعتمد على ملاحظة سياق النص من جهة ترتب الأحكام على الأوصاف ترتب الجزاء على الشرط:

أن تعليق الحكم بوصف مشتق يؤذن بأن المعنى الذي اشتق منه هو علة هذا الحكم.

فالمشتق كـ: اسم الفاعل، فرع على المصدر، لأن المصدر هو أصل المشتقات على الراجح من أقوال النحاة، فكل ما تفرع عنه يتضمنه وزيادة، فعلى سبيل المثال:

الفعل المشتق: "ضرب": يدل على معنى وزمن، فيدل على معنى الضرب في الزمن الماضي.

واسم الفاعل المشتق: "ضارب": يدل على معنى وذات وقع منها الفعل، فيدل على معنى الضرب وفاعله، وقد يدل "دلالة التزام" على زمن الضرب، لقرينة في السياق، كما في قولك:

هذا ضاربٌ زيداً: فهو يدل على أن الضرب سيقع في المستقبل، بخلاف: هذا ضاربُ زيدٍ، بالإضافة، فهو يدل على انقضاء زمن الضرب.

واسم المفعول: "مضروب": يدل على معنى وذات وقع عليها الفعل، فيدل على معنى الضرب ومفعوله.

فالقاسم المشترك الأكبر بينها: معنى الضرب الذي يدل عليه المصدر: "ضرب"، فهو نص في الدلالة على المعنى المطلق، دون تقييد بزمان أو فاعل أو مفعول أو موصوف إن كان المشتق صفة مشبهة.

وباصطلاح أهل المنطق يمكن أن يقال بأن: كل المشتقات تدل على المعنى الذي اشتقت منه: "دلالة تضمن" فهي تتضمنه وزيادة، على التفصيل السابق، بينما المصدر لا يدل على المعنى إلا: "دلالة مطابقة"، فلا زيادة في دلالته على نفس المعنى.

والمعنى: أمر تدركه العقول، فيصلح أن يكون علة في الأحكام معقولةِ المعنى.

ومن أمثلة هذه القاعدة:

قولك: كافئ المجتهد، فوصف "الاجتهاد" الذي اشتق منه اسم الفاعل: "المجتهد" يصلح لتعليق حكم المكافأة.

وقولك: عاقب الكسول، فوصف "الكسل" الذي اشتقت منه صيغة المبالغة: "الكسول" يصلح لتعليق حكم المعاقبة.

ومن آي التنزيل:

قوله تعالى: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ)، فعلق حكم القتل على وصف "الإشراك" الذي اشتق منه اسم الفاعل: "المشركين".

وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

فقد علق حكم عدم قربانهم المسجد الحرام بوصف الشرك، وإلى ذلك أشار ابن العربي المالكي، رحمه الله، بقوله: "إن وصف المشركين بأنهم نجس تنبيه على العلة بالشرك والنجاسة". اهـ

وقوله تعالى: (وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي)، فما قبل فاء السببية سبب لما بعدها، فيكون قد علق حكم الغضب على وصف الطغيان، فالطغيان سبب غضبه عز وجل.

وقوله تعالى: (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)، فقد علق حكم الضلال على وصف اتباع الهوى، فاتباع الهوى سبب الضلال.

وقوله تعالى: (وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ)، فـ: "لولا" هنا: تفيد العرض المشرب بالدعاء، فصح أن ينتصب ما بعد الفاء في "فنتبع" على السببية، فعلقوا حكم اتباع الآيات على وصف إرسال الرسول بغض النظر عن صدق دعواهم.

وقوله تعالى: (رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ)، فعلق الداعي حكم الصدقة على وصف التأخير إلى أجل قريب.

وقوله تعالى: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)، فعلق حكم الإصلاح على وصف الأخوة.

وقوله تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، فعلق حكم المحبة على وصف الإحسان.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير