تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[بديع النظم وبلاغة القول]

ـ[محمد سعد]ــــــــ[25 - 01 - 2008, 03:38 م]ـ

قول تعالى: " ومما رزقناهم ينفقون"

إذا تدبرت هذه الجملة الوجيزة، فإنك تجد فيها من بديع النظم وبلاغة القول والمدلول الواسع، ما لا يمكن لبشر أن يحسن التعبير عنه بمثل هذه الألفاظ الموجزة.

فقد ذكرت وصفاً مهماً للمؤمنين الذين يبتغون وجه الله - عز وجل - فيما ينفقونه بخلاف غيرهم، ووضعت للصدقة المقبولة شروطاً:

الأول: أن الإنفاق يكون من بعض المال لا كله، فيكون إسرافاً، وهذا ما أفادته لفظة "من" التبعيضية، وبيانه جاء في موضوع آخر من القرآن كقوله - تعالى: "والذين في أموالهم حق معلوم" [المعارج:24].

الثاني: أن يتصدق من ماله، لا أن يأخذ من مال الآخرين ثم يتصدق، وهذا المفهوم يستفاد من قوله "رزقناهم" فالضمير "هم" يفيد بأن الإنفاق مما يخص مالهم.

الثالث: أن يعلم المتصدق أن المال الذي ينفق منه إنما هو مال الله، فلا يعطي وعنده شعور بالكبر أو المنة على المنفق عليه لأن الرزاق هو الله والمال مال الله والله يؤتي ملكه من يشاء، وهذا المفهوم يؤخذ من الضمير "نا" في قوله "رزقناهم"،وبيان هذا ذكر في موضع آخر من القرآن منها في قوله تعالى: "وآتوهم من مال الله الذي آتاكم".

الرابع: أن ينفق على من يضع النفقة في موضع حاجاته الضرورية فلا ينفق على من يستعمل المال في السفاهة أو في مساخط الله - عز وجل -.

الخامس: أن يكون مخلصاً في عمله يبتغي وجه الله والدار الآخرة، وهذا المفهوم يستفاد من الضمير "نا" الدالة على عظمة الله تعالى في قوله: "رزقناهم".

ثم إن هذه الجملة أفادت معنى آخر وهو عموم الصدقة، فلا تكون قاصرة على التصدق بالمال، فمن رزقه الله علماً عليه أن يبذل مما علّمه الله لهداية الناس ودعوتهم إلى عبادة الله - عز وجل -، فإن زكاة العلم العمل به، والذي يملك جاهاً عليه أن يتصدق بجاهه في الإصلاح بين الناس والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال تعالى: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما" [النساء:114].

وعموم الصدقة يندرج تحت لفظة "مما".

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير