الجاحظ شيخُ مدرسة الترسل
ـ[موسى أحمد زغاري]ــــــــ[19 - 03 - 2008, 06:57 م]ـ
:::
الجاحظ لمن لا يعرفه هو: عمرو بن بحر الجاحظ، البصري الأديب المتكلم المعتزلي توفي225 هجري. مؤسس علم البلاغة حقاً، فهو أول أديب عربي، فيما نعلم، يقوم بجمع ما يتصل بهذا العلم من كلام من سبقوه وعاصروه، ويضيف إليه ما عدله من أفكار وأراء ثم يتوسع بدراسته، ويعزز مسائله بالأمثلة
وقد تناول مفهوم ((البلاغة)) فحملها على أكثر من معنى، منها ((مطابقة الكلام لمقتضى الحال)) فلكل ضرب من الحديث ضرب من اللفظ، ولكل نوع من المعاني نوع من الأسماء. فالسخيف للسخيف، والخفيف للخفيف، والجزل للجزل، والإفصاح في موضع الإفصاح، والإسترسال في موضع الإسترسال. وهو الذي ينظر إليه البلاغيون والنقاد على انه مقياس من مقاييس البلاغة والنقد، ذلك أن الحكم على بلاغة الكلام مرتبط بمطابقة الكلام لما يتطلبه الموضوع أو الموقف الذي يقال فيه، ولما يقتضيه حال السامعين.
وأولى عنايته بمسألة اللفظ والمعنى وبقضية النظم، فقرر أن الكلام البليغ هو الذي يسابق معناه لفظه، ولفظه معناه فلا يكون لفظه إلى سمعك أسبق إلى معناه إلى قلبك.
يقول الجاحظ: وأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره، ومعناه في ظاهر لفظه، فإذا كان المعنى شريفاً واللفظ بليغاً وكان صحيح الطبع بعيداً عن الاستكراه، ومنزهاً عن الاختلال، ومصوناً عن التكلف، صنع في القلوب صنع الغيث في التربة الكريمة.
ونصَّ على أن الألفاظ المترادفة مختلفة في الدلالة، فليس هنالك لفظ يساوي لفظاً آخر مساواة تامة في دلالته ومعناه، وإذا كلنت الألفاظ من واد واحد، فإن كلا منها يستقل بمرتبة من مراتب المعنى، ويدل على ظل من ظلاله، فألفاظ الشجاع والبطل والبُهْمَةُ والأليس -- مثلاً -- إنما هي ظلال متدرجة لمعنى الشجاعة من بدايتها إلى غايتها.
وأشار إلى أن لكل قوم ألفاظاً حظيت عندهم، وأن كل بليغ في الأرض وصاحب كلام منثور، وكل شاعر في الأرض، وصاحب كلام موزون، لا بد له أن يكون قد ألف ألفاظاً بأعيانها لُيديرها في كلامه، حتى لو كان واسع العلم، غزير المعاني، كثير اللفظ.
وذهب إلى أن البلاغة تبرز من خلال المزاوجة أو الملائمة بين اللفظ والمعنى، وتتمثل في الأسلوب القوي المحكم، أو نظم الألفاظ التي يتطلبها المعنى على نحو يتيح لجوهر المعنى أن يبدو كاملاً واضحاً مؤثراً، وقرر ــ لذلك ــ أن إعجاز القرآن هو تأليفه ونظمه.
واهتم الجاحظ بالبيان العربي، وتأثر به تأثراً ظاهراً، ورأى أن القدرة على الإفهام والتبيين بلاغة، ولعل هذا الإهتمام والتأثر والرؤية حملته على أن يسمي درة مصنفاته: ((البيان والتبيين)).
وأخذ عنه أئمة العلماء كابن قتيبة وابن المعتز والمبرد وابن عبد ربه وقدامة ابن جعفر والرماني وأبي هلال العسكري وابن رشيق القيرواني وعبد القاهر الجرجاني وغيرهم، وبهذا فإنه يحق لنا أن نعده مَعْلَمَاً ظاهراً من معالم نشأة علم البلاغة وارتقائه.
أما بالنسبة لقوله:
" نظم الألفاظ التي يتطلبها المعنى على نحو يتيح لجوهر المعنى أن يبدو كاملاً واضحاً مؤثراً " فإنه يركز على المعنى في سياق الجملة، لا على نظرية النظم كما بينها عبد القاهر الجرجاني.
ويجدر الذكر أن الرأي الآفن من بين الآراء وأبعدها عن الصواب رأي إبراهيم النَظَّام صاحب المذهب الذي يُنسب إليه (مذهب الصَّرفة) إذ قال:
إنَّ القرآن ليس معجزاً بفصاحته وبلاغته، وإنَّ العرب كانوا قادرين على أن يأتوا بمثله، لكن الله صرفهم عن ذلك تصديقاً لنبيه، وتأييداً لرسوله حتى يؤدي رسالات ربه.
فانبرى للرد عليه جم غفير من العلماء من بينهم الجاحظ صاحب مذهبه في الإعتزال، والباقلاني إمام الأشاعرة في زمانه، وإمام الحرمين، والفخر الرازي، وناضلوا نضالهم المحمود الذي خُلد لهم في بطون الأسفار، فكتبوا الفصول الممتعة مبينيين خطل رأيه وفساد مذهبه، بما أملته عليهم قرائحهم الوقادة، وأفكارهم النقادة، حتى لم يبق في القوس منزع، ولا زيادة لمستزيد