[الاستفهام بـ"الهمزة"، وأحكامه.]
ـ[تأبط شعرا]ــــــــ[23 - 03 - 2008, 12:36 ص]ـ
[الاستفهام بـ"الهمزة"، وأحكامه.]
إليك إيضاح بناء الجملة مع "الهمزة"، وبناء الجملة مع "هل"، وبيان ما يُسأل عنه ببقيّة أدوات الاستفهام، بعد أن ننتهي من أحكام "الهمزة" وأحكام "هل".
ونبدأ أوّلاً بأحكام الهمزة؛
إنَّ الهمزة إمّا أن يُطلببها التصديق، أي: يُطلب بها العلْم بنسبة المسنَد للمسنَد إليه ثبوتاً أو نفياً، وإمَّا أن يُطلب بها التصوّر، يعني: يُطلب بها العلْم بجزء واحد من أجزاء الجملة.
فإذاً الهمزة يُطلب بها: إمَّا التصديق، أي: علْم النسبة الواقعة بين المسنَدوالمسنَد إليه ثبوتاً أو نفياً، وذلك عندما يكون السائل عالِماً بأجزاء الإسناد -يعني: عالِماً بمكوِّنات الإسناد-، ولكنَّه يجهل الحُكم، أو النسبة، أو مضمون الجملة؛ فهو يسأل ليعرفَ هذا الحُكم.
وإمّا أن يطلب بـ"الهمزة" التصوّر، وهو: إدراك أحد أجزاء الجملة. ولا تكون "الهمزة" للتصوّر إلا إذا كان السائل عالِماً بالحُكم، ولكنَّه يجهل أحد أجزاءالبناء.
فإذا كانت "الهمزة" لطلب التصديق، كان جواب الاستفهام عنها بـ"نعم" أوبـ"لا". ولا يُذكر معها معادل. ويليها غالباً الفعلُ إن وُجد. يعني: إن وُجد الفعل في الجملة، فالغالب أن يأتي الفعل بعد "الهمزة" مباشرة -همزة التصديق- تقول: "أنجح خالدٌ؟ ". هنا وقع الفعل بعد "الهمزة"؛ وهذا هو الغالب.
وأمّا إذا لم يكن في الجملة فعْل، تقول: "أعمرو شجاعٌ؟ ". أنت تعلم معنى النجاح في: "أنجح خالد؟ "، وتعلم خالداً. وفي جملة: "أعمرو شجاع؟ " أنت تعرف عمراً، وتعرف معنى الشجاعة، ولكنك تجهل نسبة النجاح إلى خالد، أو نسبة الشجاعة إلى عمرو؛ فأنت هنا متصوّر لأجزاء الكلام في "نجح"، و"خالد"، و"عمرو"، و"شجاع". وتتصوّر النسبة بين النجاح وخالد، وعمرو وشجاع؛ ولكنك تجهل وقوع النسبة، هل تحقّق النجاح لخالد؟ هل تحقّقت الشجاعة لعمرو؟ هذا هو ما تجهله. أواقعةٌ هذه النسبة ومحقَّقة، أم غير واقعةولا محقّقة؟
ولذلك يُجاب سؤالك بـ"نعم"، أو بـ"لا". فتقول في الإجابة عن "أنَجَح خالد؟ " إذاكان النجاح قد ثبت لخالد، تقول: "نعم نجح خالد". وإذا كان النجاح لم يَثبت له، تقول: "لا، لم ينجح خالد". وكذلك تقول في الإجابة عن: "أعمرو شجاع؟ ": "نعم عمروشجاع"، إذا كان قد ثبتت له الشجاعة. وتقول: "لا، ليس عمرو شجاعاً"، إذا كانت لم تثبت له.
فـ"همزة" التصديق، السؤال بها عن النسبة. وأجزاء الجملة معروفة للسائل، ومتصوِّرتصوراً عامّاً للنسبة، ولكنه لا يدري: هل هذه النسبة واقعة ومحقّقة، أو غير واقعةولا محقّقة؟ والإجابة عن "همزة" التصديق تكون بـ"نعم"، أو بـ"لا"، أي: بتحقُّق هذهالنسبة ووقوعها، أو بعدم تحقُّقها.
ومن ذلك: قولُ الشاعر:
أأترُك إن قلَّتْ دراهمُ خالدٍ
زيارَتَه إنِّي إذاًلَلَئيمُ
وهناك رواية أخرى:
أأترُك أَنْ قلَّتْ دراهمُ خالدٍ
ًزيارتَه إنِّي إذاً لَلَئيمُ
والمعنى: أأترك زيارة خالدٍ لأنّ دراهمه قد قلّتْ؟ يعني: كنت أزوره أيام كان مالُه وفيراً، فإذا ما قلَّ مالُه هل أترك زيارته؟
"إنِّي إذاً لَلَئيم" لو فعلت ذلك، لأن اللئيم هو: مَن لا يعترف بالجميل.
فهنا:
أأترُك أَنْ قلَّتْ دراهمُ خالدٍ
ًزيارتَه ...
فالجواب هنا بالنَّفي، أي: لا، يعني: لن أتركَ زيارتَه إنْ قلّ مالُه، لأنَّ السؤال هنا عن التصديق، عن وقوع التّرك منك -أيها الإنسان- الذي كان خالد يكرمك، ويجود عليك فيما مضى، تقول: "أأترك؟ ". والجواب: "لن أتركَ زيارته إن قلّ مالُه، وإلاّ لو حدث منِّي ذلك لكنت لئيماً".
فالسؤال -هنا- هو عن التَّصديق، يعني: عن نسبة وقوع فعْل الترك مِن المتكلِّم بهذا البيت؛ إذ المتكلّم يعرف الفعل -وهو: الترك-، ويتصوَّر الفاعل، لأنه هوالمتكلِّم نفسُه، ويعلم المفعول -وهو: زيارةُ خالد-، كما أنه يتصوَّر النسبة بين تلك الأجزاء تصوُّراً مبهماً، أو إجماليّاً، ولكنه يتساءل: أيقعُ منه تركُ زيارةخالد، أم لا يقع ترْك زيارة خالد؟
فالإجابة تكون: إذا كان لئيماً يقول: "نعم يقع مني ترْك زيارة خالد". أو إنكان كريماً يقول: "لا، لن يقع مني تركُ زيارة خالد".
¥