تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[أنواع القرينة في المجاز العقلي]

ـ[تأبط شعرا]ــــــــ[20 - 03 - 2008, 10:18 ص]ـ

أنواع القرينة في المجازالعقليّ.

لا بدّ في كل مجاز مِن قرينة تَصرفعن إرادة المعنى الظاهر، وتدل على المعنى المراد. والمجاز العقلي لا يشذ عن هذهالقاعدة التي لا بد من وجودها في كل مجاز، فلا بد أيضا في المجاز العقلي من قرينة -يعني: علامة ودليل- تَصْرف عن إرادة الإسناد الظاهري وتدلّ على الإسناد المجازي، أي: أنه لا بد أن يوجد علامة أو دليل تُعلم بأن في هذه الجملة إسناداًمجازياً.

وهذا هو المراد من قول الخطيب في تعريف المجازالعقلي: "بتأوّل"؛ لأنه قال: "إسناد الفعل أو ما في معناه إلى مُلابس له غير ما هوله بتأوّل". وقد شرحنا كلمة "التأوّل"، أي: بقرينة أو علامة صارفة عن إرادة الظاهرمن الإسناد؛ وذلك لأن التأويل معناه: صرْف الشيء عن ظاهره إلى غيره ومعرفة ما يؤولإليه المعنى.

فالمتبادر والظاهر من قولهم: "أنبت الربيعُالزهرَ": أن الإسناد في التركيب إلى فاعله الحقيقي، لكن القرينة تصرف عن إرادة هذاالظاهر المتبادَر، تماماً كما في المجاز اللغوي عندما تقول: "رأيت أسداً يصرعالأعداء في ميدان القتال"؛ ففي البداية، أو المتبادر، أو الظاهر أولاً: أنّ الأسدهو الحيوان المفترس، لكنك عندما تتأمل في القرينة: "يصرع الأعداء في ميدان القتال"،تعلم أنّ الأسد هنا ليس هو الأسد الحقيقي، وإنما هو الرجل الشجاع.

وإذا ما رجعنا إلى قرينة المجاز العقلي، نجدأنها ليست لوناً واحداً، إنما هي قرينة متنوّعة ولها صوَر مختلفة. فهي أولاً تنقسمإلى قسميْن رئيسيْن:

إمّا أن تكون القرينة في المجاز العقلي: لفظيّة.

وإمّا أن تكون حاليّة.

فأما القرينةاللفظية: فهي أن يكون هناك لفظ مذكور في سياق الإسناد المجازي، يُوضح لنا أنالإسناد ليس على حقيقته.

وقد جاء ذلك في قول أبي النَّجم الفَضل بنقدامة:

قد أصبحت أُمُّ الخيارتَدَّعِي

عليّ ذنباً كله لمأَصْنَعِ

من أن رَأَتْ رأسي كرأسالأصلعِ

ميّز عنه قُنْزُعَاً عنقُنْزُعِ

جَذْبُ اللياليأَبْطِئِي أو أَسْرِعِي

"قد أصبحت أم الخيار تدّعي عليّ ذنباً": أمّالخيار يبدو أنها زوجه، لأن النساء كثيراً ما يتّهمن الرجال بما لم يفعلوا، فقدأصبحت أم الخيار تدّعي.

"عليّ ذنباً كله لم أصنع: من أن رأت رأسي كرأسالأصلع": من هنا سببية، أو للتعليل، يعني: بسبب أن رأت رأسي قليل الشعر، وأصبحقريباً من رأس الأصلع، ويبدو أن هذا لم يُعجب امرأته فيه.

"ميّز عنه قنزعاً عن قنزعِ": القنزع: قالوا هوالشعر المجتمع في نواحي الرأس، يعني: فرّق بين هذا الشعر المجتمع. "جذْب الليالي" لأن فاعل "ميّز" "جذبُ الليالي"، و"جذْبُ الليالي" يعني: كرور الأيام والليالي، أواستمرار الأيام والليالي، سواء كانت بطيئة أو سريعة.

فـ"ميّز عنه قنزعاً عن قنزعِ" يعني: فرّق بينشعر رأسي المجتمع مجموعة بعد مجموعة، فرّق بينها جذب الليالي.

"أبطِئي أو أسرِعي": عندما تجيء جملة إنشائية، كالأمر هنا: "أبطئي أو أسْرعي"، وتكون حالاً ممّا قبلها، فإنه لا بد أن يُقدّر فيهاالقول، أي: ميّز شعري المجتمع مجموعة بعد مجموعة جذبُ الليالي، مقولاً فيها: "أبطئي! أو أسرعي! ". فلا بدّ من تقدير القول فيها. والمقصود بالليالي البطيئة: هيليالي الحزن، وبالليالي السريعة: هي ليالي المسرّة.

فهنا، أسند الفعل: "ميّز" -ميّز عنه قنزعاً عنقنزعِ- إلى قوله: "جذْب الليالي". جعل جذْب الليالي هو الذي فرّق بين شعره المجتمعمجموعة بعد مجموعة، ولا شك أنّ ذلك ليس من فعْل الأيام ولا الليالي، لأن اللياليوالأيام إنما هي زمن تحدث فيه الأحداث، فليس جذب الليالي هو فاعل هذا الفعل.

لو وقفنا عند هذا المجاز قبل أن نعرف قرينته، لربّما قيل: إن هذا إسناد حقيقي، لأن الشاعر يعتقد أنّ الذي أوقع كثيراً مِن شَعرهإنما هو مرور الأيام، ويعتقد في ذلك، وظاهر حاله ذلك؛ لكننا عندما نتابع الأبياتبعد ذلك نجد الشاعر بعد ذلك يقول: "أفناه" الضمير يعود على شَعره، "قيلُ الله للشمساطلعي"، "حتى إذا واراك -يعني: ستَرك- أفق -وهو: ناحية السماء- فارجعي"، بمعنى: إذاغيّبك أو ستَرك أفق، فارجعي في اليوم التالي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير