[عن: "أسلوب الشرط"]
ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 02 - 2008, 02:45 ص]ـ
ظاهر أسلوب الشرط: تعليق أمر على أمر، ولا يلزم منه، إجمالا، وقوع المشروط أو حتى جوازه، ولكل مقام مقال، مع اتحاد أساليب الشرط في المعنى الكلي السابق:
فأداة الشرط: "إذا" تدل على رجحان وقوع المشروط، ولذا تستعمل في المواضع التي يكثر وقوع المشروط فيها.
وأداة الشرط: "إن" تدل على رجحان عدم وقوع المشروط أو ندرته.
وأداة الشرط: "لو" تدل على امتناع وقوع المشروط أصلا.
فلو استعرضنا التراكيب التالية:
إذا جاء زيد أكرمتك، و: إن جاء زيد أكرمتك، و: لو جاء زيد أكرمتك، فإن ظاهرها التساوي في المدلول الأصلي: تعليق وقوع الإكرام على وقوع مجيء زيد، ولكن كلا منها يستقل بمعنى تابع لا يوجد في الآخر:
فالتركيب الأول: يترجح فيه الإكرام، لأن مجيء زيد أمر كثير التكرار.
والتركيب الثاني: يترجح فيه عدم الإكرام أو ندرته، ولا يلزم امتناعه.
والتركيب الثالث: امتنع فيه الإكرام، لأن "لو" حرف امتناع لامتناع، فامتنع الإكرام لامتناع مجيء زيد.
وفي قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ): ينسب آل فرعون الحسنة التي تأتي بكثرة، بدليل تصدير شرط وقوعها بـ: "إذا"، لأنفسهم، وينسبون السيئة التي تأتي نادرا، بدليل تصدير شرط وقوعها بـ: "إن"، لقوم موسى عليه الصلاة والسلام تطيرا بهم.
وقد ترد قرينة ترجح مجيء "إن" في الشرط المقطوع بثبوته، كالتجاهل في قول المعتذر: "إن كنت فعلت هذا فعن خطأ"، مع أنه قد فعله يقينا.
والعكس صحيح: فقد تأتي القرينة مرجحة مجيء "إذا" في الشرط المشكوك في ثبوته أو نفيه، كالإشعار بأن الشك في ذلك الشرط لا ينبغي أن يقع أصلا فهو في حكم المجزوم به، نحو: إذا كثر المطر هذا العام أخصب الناس، فنزله منزلة الواقع مع أنه مشكوك في وقوعه فقد يتأخر المطر هذا العام.
بتصرف من "جواهر البلاغة"، ص133.
وقد ترد قرائن ترجح معنى على آخر، في أداة الشرط الواحدة، كـ:
"إن" الشرطية، فهي، كما تقدم، إنما تدل على رجحان عدم وقوع المشروط أو ندرته، ومع ذلك:
قد تفيد: امتناعه، كما في قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ)، فالشرط ممتنع أصلا، لأن فيه نسبة النقص المطلق إلى الله، عز وجل، والله، تبارك وتعالى، متصف بكل كمال مطلق، وصف به نفسه، أو أنزله في كتابه، أو أوحى به إلى رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو استأثر به في علم الغيب عنده، منزه عن كل نقص، وأي نقص أكبر من الحاجة والافتقار لغيره من: طعام أو شراب أو صاحبة أو ولد، تبارك وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا، فالسياق سياق: تنزل مع المخالف، فالمعنى: لو ثبت أن ما تدعونه من اتخاذ الله، عز وجل، الولد، لكنت أول العابدين له، ولكنه لم يثبت، بل هو أمر محال لذاته، غير ممكن أصلا، فضلا عن أن يقال بجوازه أو وجوبه، وإلى ذلك أشار ابن كثير، رحمه الله، بقوله: "يقول تعالى: {قُلْ} يا محمد: {إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} أي: لو فرض هذا لعبدته على ذلك لأني عبد من عبيده، مطيع لجميع ما يأمرني به، ليس عندي استكبار ولا إباء عن عبادته، فلو فرض كان هذا، ولكن هذا ممتنع في حقه تعالى، والشرط لا يلزم منه الوقوع ولا الجواز أيضا، كما قال تعالى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الزمر: 4] ". اهـ
وأشار أبو السعود، رحمه الله، إلى نكتة لطيفة في استعمال أداة الشرط "إن" هنا في أمر ممتنع لذاته، مع أن الأولى في مثل هذه المواضع استخدام أداة الشرط "لو" فقال:
¥