[من أم الكتاب والسبع المثاني]
ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 02 - 2008, 03:24 ص]ـ
[من أم الكتاب والسبع المثاني]
الحمد: يقول النحاة عن "أل" في "الحمد" بأنها: الجنسية الاستغراقية، والاستغراق، كما قسمه البلاغيون:
استغراق ذوات، واستغراق أوصاف، فالأول: حقيقي، والثاني: مجازي.
والله، عز وجل، متصف بكل أنواع المحامد: قدرا ووصفا، فله كمال الحمد المستغرق لآحاد المحامد، وله كمال الحمد المستغرق لأوصافها، فاجتمع النوعان في حقه، جل وعلا، مصداق قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ)، فـ: "عدد خلقه": استغراق آحاد، و "رضا نفسه": استغراق أوصاف.
لله: اللام: لام الاستحقاق، وقد حدها النحاة بأنها اللام التي تربط اسم معنى، وهو هنا: "الحمد" باسم ذات، وهو هنا: لفظ الجلالة: "الله" على وجه الاستحقاق والانفراد، فالله، عز وجل، مستحق لكل المحامد، منزه عن كل النقائص، منفرد بكل نعوت الكمال: جمالا وجلالا.
رب العالمين:
"العالمين"، كما حده النحاة: اسم جمع لا مفرد له، لأن "عالم" تطلق على من سوى الله، عز وجل، سواء أكان عاقلا أم غير عاقل، بينما: "العالمون" لا تطلق إلا على العاقل، فصار وصف الله، عز وجل، بربوبية العالمين من باب "التغليب"، وهو أسلوب بلاغي معروف، فلا مفهوم له، ليقال بإثبات ربوبية الله، عز وجل، للعقلاء، ونفيها عن غير العقلاء، فهو رب الملائكة والروح والبشر والشجر والحجر .......... إلخ، فله كمال الربوبية المستلزم لكمال الألوهية.
الرحمن الرحيم:
الرحمن: ذو الرحمة الواسعة، الرحيم: ذو الرحمة الواصلة، فالأولى: وصف لازم للذات القدسية، والثانية: وصف فعل متعد لخير البرية، فالأولى: وسعت المؤمن والكافر، والثانية: لا ينالها إلا الموقن الصابر.
مالك يوم الدين:
وفي قراءة: "مَلِك": فهو المالك للأعيان، الملك المتصرف في الأحوال، قد ملك الذوات وخلق الفِعال، فلا يخرج عن ملكه شيء من خلقه، (لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ).
إياك نعبد وإياك نستعين:
حصر بتقديم ما حقه التأخير، فلا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا إياك، بخلاف: "نعبدك"، و "نستعينك" فإنها تحتمل الشركة، فلا إله معبود بحق سواك، ولا معين إلاك، فلك تمام الألوهية: لازم كمال الربوبية، فما قبلها: نص في الربوبية العامة في: "رب العالمين، الرحمن، مالك يوم الدين"، والخاصة في: "الرحيم" فهي مقصورة على الموحدين.
وهي: نص في الألوهية، فالسبب مستلزم لمسَبَبِه، والمسَبَبُ لازم سببه، فتوحيد الربوبية العلمي مستلزم لتوحيد الألوهية العملي، فمن خلق وبرأ وصور ورزق وأمات وأحيا وأضحك وأبكى جدير بأن يعبد فلا يجحد ويشكر فلا يكفر.
وإياك نعبد: تنفي الشرك، كما يقول شيخ الإسلام رحمه الله، و إياك نستعين: تنفي العجب، فلن يوفق العبد إلى تمام الألوهية إلا بتمام الاستعانة، فلا استقلال للعبد بمشيئته، فهي تبع لمشيئة خالقه، عز وجل، إن شاء وفقه بفضله، وإن شاء خذله بعدله: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ).
وإياك نعبد وإياك نستعين كما يقول البلاغيون: خصوص بعد عموم، فالعبادة: عام، والاستعانة: أحد أفراده، وإنما خص بالذكر تنبيها على شرفه، فلا عبادة إلا باستعانة، ولا تأله إلا بتذلل، فالعبودية: كمال حب وطاعة مع كمال ذل وفاقة.
وإياك نعبد: غاية، أو: علة غائية كما يقول أهل المنطق، وإياك نستعين: وسيلة، أو: علة فاعلية، والغاية تسبق الوسيلة في التصور، وإن كانت تتلوها في الوجود، فلا يقدم العاقل على مباشرة الوسيلة إلا بعد تصور الغاية، فقدمت الغاية في الذكر، لأنها المقصود لذاته، وأخرت الوسيلة لأنها المقصود لغيره، فالوسائل تتبع المقاصد، أو: "الوسائل لها أحكام المقاصد"، كما يقول الفقهاء، فصارت الوسيلة تبعا للغاية في الحكم، وصارت الغاية تبعا للوسيلة في الوجود.
¥